السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا على هذا الموقع المبارك، وأدام الله نفعكم، وجزاكم كل خير.
أنا متزوجة منذ 15 عاما، ولدي أربعة أبناء، زوجي مدمن على الحشيش ومشاهدة الأفلام الإباحية، ولا يصلي إلا قليلا. خلال هذه السنوات، حاولت كثيرا إصلاحه بطرق متعددة، حتى وصلت إلى مرحلة شعرت فيها أنه لا أمل في استقامة الأمور.
تركت المنزل لمدة ستة أشهر في العام الماضي، وكنت جادة في طلب الطلاق، استعنت بأهلي وأهله، لكنهم رفضوا الطلاق وحاولوا الإصلاح حفاظا على استقرار الأولاد، وقد وعدني زوجي بالتغيير، فعدت إلى المنزل رغم أنني كنت متأكدة أنه لن يتغير شيء، وأنجبت ابنتي الرابعة هذا العام.
أولادي هم حياتي، ومن أعظم نعم الله سبحانه وتعالى علي، بل علينا جميعا، لكن لم يتغير شيء في المشكلة الأساسية التي أعيشها، سواء رفض الطلاق أو محاولة منعه بشتى الطرق، فأنا الآن لدي أربعة أبناء، ولا أرغب نهائيا في استمرار حياتي بهذا الوضع.
زوجي يحبنا ويعمل من أجلنا، لكنه لا يتوقف عن تعاطي المخدرات، ولا يسعى لإصلاح حياته بالصلاة، أو اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى.
أنا أرى أن هذا السلوك سينعكس بالتأكيد على الأولاد، أحاول أن أجتهد من ناحيتي، لكنني لم أنجح في الإصلاح، أتساءل: هل يجوز لي أن أطلب منه التنازل عن بعض حقوقه حتى يصلي ويتوقف عن تعاطي المخدرات؟ ولو على الأقل أن يفعل ما يشاء بعيدا عنا، فقد يئست من تغيره، وأتمنى أن يبتعد بهذه الأمور عنا، لكنه لم يفعل.
أنا لا أطيق رؤية مثل هذه التصرفات، ولا أسمح لأولادي بأن يشاهدوها، آمر أولادي بالصلاة، وقد بدأوا يصلون بفضل الله، ويحفظون القرآن الكريم، ويتعاونون معي، ويجتهدون في دراستهم، لكن عند وجود أبيهم، يتبدل حالي أنا شخصيا، وليس حالهم فقط، فماذا أفعل؟
هل من رأي أو نصيحة أو مشورة تساعدني؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيناس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول، وبالله تعالى أستعين:
نشكرك كثيرا على ثقتك بموقعنا، ونسأل المولى تعالى أن يجعله مفتاحا للخير، مغلاقا للشر، ونسأل الله أن يفرج همك، ويصلح حالك وحال زوجك وأولادك.
ما تعانينه أمر قدره الله عليك قبل خلق السماوات والأرض، قال تعالى: ﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر﴾، وصح في الحديث: كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس، والكيس: الفطنة، وقال عليه الصلاة والسلام: إن الله لما خلق القلم قال له: اكتب. قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة.
لا شك أن كل مقدر له سبب، وقد تسببت أنت ووليك في ذلك، كونكما لم تتحريا في معرفة صفات زوجك قبل إتمام إجراءات الزواج، وأهم الصفات التي حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على توفرها: الدين والخلق، فقال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
أنت الآن في وسط المشكلة، وحلها ليس بالطلاق، بل بالصبر ومحاولة معالجة زوجك بشتى الوسائل الممكنة، مع احتساب الأجر عند الله، فتداعيات الطلاق وخيمة جدا كما لا يخفى عليك.
تعاملي مع زوجك معاملة المريض الذي يحتاج للرحمة والشفقة، فالتعامل بقسوة وغلظة لا يجدي، بل يزيده عنادا، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.
الرفق والرحمة به لا يعنيان الرضا بما يفعله، بل يجب مقت تلك التصرفات والسعي لإنقاذه من عقوبة الله تعالى من خلال الأخذ بيده وإعانته على الخروج مما هو فيه، فزوجك مهزوم من الداخل بسبب استيلاء حب المسكر على قلبه، فأدى ذلك إلى إبعاده عن الله تعالى.
زوجك يعاني من الضعف الشديد في إيمانه، وكلما تقوى إيمانه زادت مراقبته لله تعالى، وزاد خوفه من عقوبته، وبالتالي يتولد في نفسه بغض المعاصي بأنواعها، فاجتهدي في إعانته على أداء الصلاة بالترغيب والترهيب بين الحين والآخر، وأرسلي له بعض المقاطع الوعظية المؤثرة ليشاهدها.
أسمعوه القرآن الكريم لبعض القراء المجودين أصحاب الأصوات المؤثرة كالشيخ المنشاوي -رحمه الله تعالى-، فللقرآن تأثير عجيب على النفوس.
شجعوه بالثناء عليه والدعاء له كلما فعل طاعة من الطاعات، فذلك مما يثبت الإنسان على أداء العبادة، مع مشاركته في بعضها.
سلطوا عليه بعض أصدقائه، ومعارفه الصالحين؛ ليجالسوه ويصاحبوه، فالجليس تأثيره سلبيا أو إيجابيا.
اجتهدوا مع أصدقائه في إبعاده عن رفقاء السوء، فرفقاء السوء سم زعاف، وقد صح في الحديث: إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة.
لعلك تعرفين نقاط ضعفه التي يمكن من خلال منعه منها أن يكون ذلك سببا في علاجه، ما لم تكن النتيجة سلبية، فإذا رأيت أنه يمكن أن يتعالج بمنعه من محبوباته فافعلي.
واجتهدي في إبعاد الأبناء وعزلهم عن والدهم في حال أن دخل البيت وهو في حالة سكر؛ أدخليه إلى غرفة نومه ولا داعي لإحداث مشكلة معه، أو رفع الصوت في البيت، فذلك قد يؤثر في نفسيات الأبناء.
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتحيني أوقات الإجابة، وخاصة أثناء السجود، وفي الثلث الأخير من الليل، وآخر ساعة من الجمعة وغيرها، وسلي الله تعالى أن يصلح زوجك ويهديه ويرزقه التوبة النصوح، وكوني على ثقة بالله أنه سيستجيب لك، ففي الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما يشاء؛ إن ظن خيرا فله، وإن ظن شرا فله.
أكثري من الاستغفار، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم كما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. وأكثري من دعاء الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش الكريم.
وأكثري من دعاء ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فما دعا به إنسان إلا استجيب له.
وأكثري من الأعمال الصالحة، فذلك من أسباب الحصول على الحياة الطيبة، كما قال تعالى: ﴿من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة﴾.
واحرصي على تربية الأبناء التربية الصالحة، وخذي بأيديهم إلى مرافقة الصالحين، وتابعيهم متابعة تامة، وشاركيهم همومهم، ولا تجعليهم يحتاجون شيئا فيضطرون لطلبه ممن يكون سببا في انحرافهم.
نسأل الله تعالى أن يصلح زوجك، وأن يقر عينيك بصلاحه واستقامته، ويجعل حياتك طيبة.