السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كانت تأتيني الكثير من الأسئلة المتعلقة بالعقيدة، فقررت أن أجيب عنها، وقد بدأت بالأصول الثلاثة، لكني مع بداية دراستي لها خفت صراحة، عندما علمت أن الإنسان الذي لا يعمل وفقا لما عمل، فسيحاسب على ذلك، خفت أن لا أعمل بما عملت، وأتحمل مسؤولية على عاتقي، وخاصة أنني دائما مترددة في حياتي، وكل شيء أتردد فيه، وكل قرار أفكر فيه 100 مرة قبل اتخاذه، وأعاني من وهم الكمال؛ فأحتقر نفسي في كل مرة، ولا أستغل الفرص التي تأتيني، وأعاني من النسيان كثيرا؛ فكلما تعلمت شيئا نسيته، فيؤرقني ذلك كثيرا.
أخاف أيضا أن لا يكون هذا العمل خالصا لوجه الله تعالى؛ لأني عندما أرى شخصا متفقها في الدين يعجبني، وأريد أن أكون مثله، وأن يكون لي شأن أيضا.
في طريقي إلى طلب مرضاة الله حاولت أن أبتعد عن الكثير من الذنوب، وأكثر ذنب كان يؤرقني هو كلامي مع الشباب، وخاصة مع شاب كان عزيزا علي -أستغفر الله-؛ لأنه كثيرا ما كان يعينني، وكان محترما جدا، وكنت أتعلم منه الكثير، ومحادثاتنا كانت في إطار محترم، ودينية في أغلبها، ولكن عرفت أنني يجب أن أبتعد؛ لأنني كنت أشعر بتأنيب الضمير في كل مرة أتكلم فيها معه، فأقول: كيف أريد مرضاة ربي وأنا أعصيه؟ فكنت أحس أني منافقة، وكنت أبذل كل جهدي لكي أبتعد عن هذا الذنب.
ومنذ عام وأنا أحاول، فأتبع السيئة الحسنة لكي لا أحس بذلك التأنيب، وأحاول أن أفعل الكثير من الطاعات، وبعد كل تلك المدة ما وجدت حلا غير الابتعاد، فقلتها له، وكان محترما جدا، ووافقني، ولكنه دائما في حال غير جيد، وحتى حياته تعرقلت، وأصبحت سيئة، وأحس أنني السبب في كل هذا، فهل أعاقب على أنني جرحت هذا الإنسان؟
والمشكل الآخر في هذا السياق أنه بعد ابتعادي شعرت بحزن شديد، وعدم الرضى، فخفت أن أكون قد عصيت الله بعد هذا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Zaineb حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، ونحن سعداء جدا بما توصلت إليه من قرار قطع التحدث مع هذا الشاب، ولا ينبغي أبدا أن تندمي على ذلك، أو أن تشعري بتأنيب الضمير، حتى وإن كان هذا الكلام سليما في محتواه، وليس فيه إثم، أو كلام بالفتنة، وما يثير الرجل والمرأة، ولكن الشريعة الإسلامية جاءت بآداب وتعليمات الحكمة منها إغلاق أبواب الفساد قبل الدخول فيها، وقطع أسباب افتتان الرجل بالمرأة قبل حصول هذه الفتنة، فقد نهى النبي ﷺ عن أشياء كثيرة:
- نهى عن اختلاء الرجل بالمرأة الأجنبية.
- وأمرت الشريعة المرأة بالحجاب أمام الرجل الأجنبي.
- ونهى القرآن عن تحدث المرأة مع رجل أجنبي بكلام فيه خضوع ولين، كما جاء في سورة الأحزاب في توجيه أمهات المؤمنين، وغيرهن من باب أولى.
- ونهى عن التلامس بين الرجل والمرأة الأجنبية.
فكل هذه التوجيهات والتعليمات الحكمة منها قطع أسباب الفساد، وهذا من رحمة الله تعالى بالإنسان، فإن فتنة الرجل بالمرأة من أعظم أنواع الفتنة، التي قد لا يستطيع كثير من الناس الصبر عليها إذا وقعت، وقد قال الرسول ﷺ: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
فلا غرابة في أن تأتي الشريعة بكل هذه التوجيهات، والفقهاء المسلمون يمنعون المرأة من ابتداء السلام على الرجل الأجنبي، كما هو مصرح به في كتب الفقه الإسلامي، مع أن السلام من العبادات التي يحبها الله تعالى في الأصل، ويثيب عليها، ولكن لما كان من المرأة لرجل أجنبي عنها كان يحمل شرا وضررا، وهذه الشريعة التي شرعها رب العباد الرحيم، جاءت لتحقيق مصالح هؤلاء العباد، ودفع المفاسد عنهم، فلا غرابة في أن تمنع هذا السلام؛ لأنه قد يكون بوابة شر يقع فيه الإنسان في أشياء لا تحمد عاقبتها.
فإذا؛ هذا القرار الذي اتخذته، وهذا الإجراء الذي قمت به، إجراء صحيح، ونرجو الله تعالى أن يثيبك عليه، وأن يصبرك عليه، ولا تستسلمي لوساوس الشيطان، حين يحاول أن يجرك للتراجع عنه، بحجة أن هذا الشاب تأثر لفراقك له وحزن لذلك، وغير ذلك؛ فلا ينبغي أبدا أن تلتفتي لهذه الوساوس، وهذا الشاب وإن حصل له شيء من ذلك، فإن الله تعالى سيعينه إذا صدق في توبته ويتولى أمره.
كما نحذرك أيضا من الذئاب البشرية التي كثيرا ما تظهر بالمظهر الحسن المتدين، ليكسب الواحد منهم ثقة الفتاة الطيبة، ثم يجرها رويدا رويدا إلى ما يريد، وهذا الأسلوب منتشر جدا، بحيث لا يحتاج أن نذكر لك وقوعه، فاحذري كل الحذر من هذا.
واعلمي أن أفضل ما تفعلينه لتحمي نفسك وتحفظي دينك، هو أن تلتزمي بأوامر ربك، وتوجيهات نبيك ﷺ، وأنك ما دمت مع الله تعالى بالعمل بشرعه، والوقوف عند حدوده؛ فإن الله تعالى يحفظك ويسعدك ويحقق لك ما تحتاجينه، كما قال سبحانه: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾.
وأما قطعك للتعلم بسبب خوفك من ألا تعملي بالعلم، فهذا قرار خاطئ بلا شك، وننصحك بالتراجع عنه؛ فإن العلم لن يزيدك إلا خيرا، ولا يجب عليك أن تعملي بكل ما تتعلمين، إنما يجب عليك أن تعملي بالفرائض، وتجتنبي المحرمات، وأنت إذا تركت تعلم هذا المقدار من العلم، فإنك لن تعذري عند الله تعالى إذا فعلت محرما، أو تركت واجبا.
فإذا ترك التعلم وسيلة شيطانية يحاول الشيطان أن يحرمك من خير كثير، ومن أجل العبادات التي يمكن أن تتعبدي بها لله تعالى، فاحرصي على أن تتعلمي دينك، واعملي بعد ذلك بما تقدرين عليه من نوافل الأعمال، وجاهدي نفسك للعمل بالواجبات واجتناب المحرمات، والتعلم في حد ذاته عبادة جليلة، يأجرك الله تعالى عليها، بل هو أجل عبادة ينبغي أن تحرصي عليها وتتعلميها.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.