السؤال
أبي شيخ كبير ويعاني من أمراض الشيخوخة، وأخدمه أنا وأخي بلا حدود، كذلك أمي تشاركنا خدمته، لكنها أحيانا تأتي وتزعجنا بسبب حرصنا على تلبية طلباته المتكررة، نحاول تهدئتها، لكن يبدو عليها الغضب منا، رغم أنها طيبة وتقوم بخدمته في غيابنا.
السؤال: هل نطيعها فيما تريد حتى لا تغضب منا، أم نستمر في تلبية طلبات أبي، بغض النظر عن غضبها الذي يصل أحيانا إلى حد البكاء؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك أخانا الفاضل في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
بداية، نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على برك بوالدك وخدمتك له في كبر سنه؛ فهذا من أعظم القربات وأجل الطاعات التي يتقرب بها إلى الله، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله: (أي العمل أحب إلى الله؟) قال: الصلاة على وقتها. قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين..)، فكان بر الوالدين في المرتبة الثانية بعد الصلاة، ويتأكد هذا البر عند الحاجة، ولا سيما في لحظات الضعف والمرض، كما أخبر الله تعالى بقوله: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ۚ إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا).
فقد خص الله لحظة الكبر لما فيها من الضعف والحاجة للرعاية، وجعل البر فيها من أعظم أبواب الأجر، فليكن قصدك من ذلك طلب الثواب من الله ورد الجميل لوالدك، قال تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).
واعلم أن بر الوالدين أو عقوقهما من الأعمال التي يعجل جزاؤها في الدنيا قبل الآخرة، فمن بر والديه وجد أثر البر في أولاده، ومن عق والديه وجد أثر العقوق في دنياه قبل آخرته.
أخانا الكريم: لا نعلم على وجه اليقين ما سبب حزن أمك لاجتهادك في خدمة والدك، مع أنها طيبة معه وتخدمه! لكن قد يكون الأمر راجعا إلى شعورها بالإرهاق أو خشيتها أن تتعبوا أنفسكم أكثر مما تطيقون، والأم كثيرا ما تخاف على أبنائها أكثر من خوفها على نفسها، وربما ترى أن الأولى أن تتفرغوا لحياتكم وتدعوا لها شرف خدمة زوجها، ولذلك، فبكاؤها ليس بالضرورة غضبا منكم، بل قد يكون تعبا نفسيا، أو خوفا عليكم، أو حتى غيرة طبيعية لكون والدكم يأخذ النصيب الأكبر من اهتمامكم.
لذلك ننصحك -أخانا الفاضل- أن تستمر أنت وأخوك في خدمة والدكم، وبذل الجهد في ذلك محتسبين الأجر عند الله، وفي الوقت نفسه اجتهدوا في بر والدتكم والاهتمام بها، وأعطوها فرصة لتشارككم خدمة والدكم؛ فهذا يشعرها بدورها المؤثر مع زوجها، واحرصوا على تنظيم أوقات الخدمة فيما بينكم، بما يضمن التوازن بين رعاية والدكم وبين شؤونكم الأسرية والدنيوية، فذلك أدعى لرضا أمكم ويذهب عنها شعور أنها تحرمكم من حياتكم.
وأخيرا: أوصيك -أخي الكريم- بإخلاص النية لله تعالى في هذا البر، والثبات على خدمة والدك دون فتور، فإنك على خير عظيم وقربة جليلة، يتمنى الكثير ممن فقد والديه أن ينالوها.
وفقك الله، وسدد خطاك، وشرح صدرك للحق، وجعل برك بوالديك سببا لرضوانه عنك في الدنيا والآخرة.