أفكار تُحَرِّج على أخي مريض الوسواس وترهقه، فكيف يتعامل معها؟

0 4

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي أخ مصاب بالوسواس، يحرص على ألا يسب أحدا، وكانت تأتيه أفكار تقول: "ما دام أني أرتدي هذا القميص، فإن أختي قبيحة أو سيئة أو كذا"، وأخته طفلة، فيخاف أن يكون قد سبها أو وصفها بالقبح طوال ارتدائه القميص، فيشعر أنه يأخذ ذنوبا طوال ارتدائه.

تأتيه هذه الفكرة كلما ارتدى شيئا، حتى صار بلا ملابس، تكلمنا معه، وقد فهم أنه ما دام يكره الفكرة ولم ينو عليها ولم يصدقها، وظل مرتديا القميص بحسن نية، فلا شيء عليه، فاقتنع وبدأ يرتدي ملابسه مجددا بلا خوف.

المشكلة بعد ذلك أنه كان يرتدي قميصا ليخرج من البيت، فجاءته الفكرة مرة أخرى، فخاف من أن يكون قد نوى، وحاول طمأنة نفسه، فقال: "وما المشكلة لو كنت نويت عليها؟ سأخرج بالقميص نصف ساعة فقط وأعود".

وظهر لديه شعور بالرضا بأن يكون قد نوى عليها، ولكنه لم يصدقها ولم يعزم عليها، بل رضي بمحتواها واستسهل الأمر، ثم عاد وندم وقال: "لماذا رضيت بمحتوى الفكرة؟ لماذا قلت: ما المشكلة لو كنت نويت عليها؟"

ويأتيه شعور بأنه مذنب ما دام يرتدي القميص، وأيضا كلما ارتدى أي شيء، تأتيه الفكرة فيخاف فيقول بقلبه: "ما المشكلة لو نويت؟"، ويشعر بالرضا تجاهها، فيخلع ويرتدي ويخلع ويرتدي، ويظل في دوامة، كلما ارتدى تأتيه الفكرة، فيخاف من أنه نوى، فيقول: "ما المشكلة لو كنت نويت؟ سأخرج بها نصف ساعة فقط أو كذا"، وأقواله التي يظهر فيها بالرضا أحيانا تكون في نفسه وقلبه، وأحيانا ينطق بها.

هو الآن لا يجد شيئا يرتديه، فهل يجوز له أن يرتدي تلك الملابس ما دام لم ينو على الفكرة أو يعزم عليها أو يصدقها؟ وحتى لو رضي بها أو بمحتواها، أو قال: "ما المشكلة لو كنت نويت عليها؟"، وهو يقول: إن أمر الرضا بالنية عليها خارج عن إرادته، وأنه يكون حريصا على ألا يرضى، ولكنه يفشل في كل مرة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جنى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك - ابنتنا الفاضلة - في إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك وفي أخيك، وأن يحفظكم جميعا من كل مكروه وسوء، وبعد:

دعينا نكتب الجواب في شكل نقاط:

1. طبيعة الوسواس وأصله:
الوسواس نوع من الإلحاح القهري الذي يلقيه الشيطان في قلب الإنسان، فيشعره بأفكار غريبة ليست من نفسه ولا من اختياره، وهذه الوساوس قد تكون في العقيدة، أو في الطهارة والعبادة، أو كما في حالة أخيك: ربط الأشياء العادية (مثل الملابس) بمعان سيئة عن الآخرين.

لكن الأمر لا يقلق فقد قال النبي ﷺ: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم، وهذا يعني أن مجرد مرور الخاطر، أو حتى الشعور به، لا يؤاخذ به الإنسان ما دام لم يعزم عليه بقلبه، ولم ينطق به مختارا، فالوسواس ليس ذنبا، بل ابتلاء يحتاج إلى صبر وتجاهل.

2. الحكم الشرعي في حالة أخيك:
في وضع أخيك، هو لا يقصد ولا يريد أن يسب أخته أو يصفها بالسوء، وإنما تأتيه فكرة قهرية كلما ارتدى شيئا، فيخاف من أن يكون آثما، والحقيقة أنه لا شيء عليه إطلاقا؛ لأن السب لم يصدر منه عن نية وعزم.

حتى إن وسوس له الشيطان أن يقول: "ما المشكلة لو نويت؟" أو وجد في قلبه إحساسا كاذبا بأنه "راض"، فهذا كله من الوسواس، ولا يعتبر رضا حقيقيا، ولا نية معتبرة، والنية عند الفقهاء تعني قصدا جازما يصدر عن وعي واختيار، وهذا غير موجود هنا.

إذا: يجوز له أن يرتدي ملابسه، ولا ينبغي أن يخلعها لأجل فكرة عابرة، بل خلع الملابس وتكرارها هو استجابة للوسواس، والاستجابة هي ما تقويه وتجعله يزداد.

3. كيف يتعامل مع الوسواس؟
- التجاهل التام: الفكرة عندما تأتي لا يناقشها ولا يحاول أن يثبت لنفسه بطلانها، بل يتركها تمر وكأنها لم تكن.
- الثبات على الفعل: إذا كان يريد ارتداء قميص أو بنطال فليفعل ذلك دون تغيير أو تردد، لأن التغيير إرضاء للوسواس.
- الاستعاذة والانشغال: كلما جاءه الخاطر، يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم ينشغل بعمل آخر عملي أو فكري، فلا يظل أسير الفكرة.
- اليقين أن ما يحس به ليس حقيقيا: ما يشعر به من "رضا" أو "نية" هو في الحقيقة وهم قهري، وليس رضا نابعا من قلبه.

4. طمأنة مهمة جدا:
أخوك يبدو أنه يعاني من تأنيب شديد، وهذا طبيعي عند أصحاب الوسواس، إذ يشعرون أنهم مسؤولون عن الخواطر وكأنها من صنعهم، لكن القاعدة واضحة: ما دام لم يختر بقلبه باختياره الحر أن يسب أو يهين، فلا ذنب عليه أبدا، وحتى إن تكلم بلسانه بكلام قهري لا يقصده، فهذا معفو عنه لأنه غير مختار، والله تعالى يقول: ﴿لا يكلف الله نفسا إلا وسعها﴾ والله تعالى رحيم لا يؤاخذ عباده بما لا يقدرون على دفعه.

5. خطة التعامل مع الوسواس:
1. عند مجيء الفكرة:
- لا يحاول أن يناقشها أو يثبت بطلانها.
- لا يقول: "لماذا خطرت؟" أو "هل رضيت بها؟"، فقط يستعيذ بالله في نفسه ويقول: آمنت بالله ثم يتركها تمر.
- القاعدة: كلما ناقش الوسواس اشتد، وكلما تجاهله ضعف.

2. في موضوع الملابس خاصة:
- يلبس ما يريد مباشرة، ولا يخلع بسبب الوسواس.
- إذا جاءه خاطر "ما المشكلة لو نويت؟"، يبتسم في نفسه ويقول: "هذا وسواس" ويخرج كما هو.
- لا يعيد ولا يغير حتى لو شعر بعدم راحة، لأن التغيير استسلام للوسواس.

3. عند الشعور بالذنب:
- يذكر نفسه بالحديث: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم.
- يقرأ قول الله تعالى: ﴿لا يكلف الله نفسا إلا وسعها﴾.
- يقول في نفسه: "هذا ليس اختياري، والله لن يحاسبني عليه".

4. المحافظة اليومية على:
- الأذكار: يداوم على أذكار الصباح والمساء (خصوصا آية الكرسي، المعوذات، آخر آيتين من سورة البقرة).
- القرآن: قراءة ولو نصف صفحة بتدبر، لا يشترط كمية كبيرة.
- النشاط البدني: يمارس رياضة خفيفة (مشي أو تمارين) يوميا، فهذا يفرغ التوتر.
- الانشغال: يشغل نفسه بأمور نافعة (قراءة، عمل، هواية)، حتى لا يترك فراغا يملؤه الوسواس.

5. عند الإحباط أو التعب:
عليه أن يتذكر أن الوسواس لا يزول في يوم أو يومين، لكنه يضعف مع الإهمال المستمر، ويعتبر كل مرة يتجاهل فيها الوسواس نصرا صغيرا، وهذه الانتصارات الصغيرة تتراكم مع الوقت حتى يزول -بإذن الله-، ويتعامل معه كما لو كان "طنين ذباب"، يزعج لكنه لا يضر، ويزول تدريجيا مع مرور الأيام.

وأخيرا: عليه أن يكثر من الدعاء أن يرفع الله عنه هذا البلاء، وأن يكتب له الشفاء، وإنا نسأل الله له العافية، وأن يحفظه من كل سوء، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات