السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا متزوجة منذ 16 سنة، وعندي ولدان، وزوجي لا يصلي، حاولت معه كثيرا بالمحايلة والهدوء، لكن دون جدوى للأسف، وبعد الزواج اكتشفت وجود رسائل بينه وبين امرأة أخرى، فواجهته فأقر بأنها كانت علاقة عابرة، وأنه أنهى الأمر بنفسه، وكانت هناك العديد من الرسائل، كلها بين رجل وزوجته، تحتوي على كلام وألوان وقمصان نوم، وكلام صعب جدا.
كان لدي طفل يبلغ من العمر سنة، سكت وقلت لنفسي: ما حدث كان مرة واحدة ولن يتكرر، وبعدها تكرر الأمر مرة أخرى مع زوجة صديقه المسافر، حيث كانت بينهما مكالمات بعد الفجر في غيابي، وكانت كثيرة، واجهته لكنه أنكر وقال: إنها على خصام مع زوجها، وهو صديقه، وكنت أعمل على مصالحتهما، لم أصدق ذلك، لكنني تجاوزت الأمر.
منذ عدة أشهر اكتشفت وجود رسائل بينه وبين زميلته في العمل، يداعبها، ويتحدث معها عن يومه، وأين ذهب، وكيف كان وجهه، ويتغزل بها في صورها، ويتواصل معها كثيرا، منذ ذلك الوقت وأنا لا أستطيع أن أعيش بسلام، أشعر بالاختناق، ولا أعرف ماذا أفعل؟
أخشى من مصارحته؛ لأنني أخاف من غضبه، وتحوله إلى شخص عنيف، فهو سريع الغضب، ولا يحترم أحدا، ولا أستطيع أن أتركه؛ لأنني لا أستطيع تحمل مصاريف الأولاد وحدي، ولكني متعبة جدا، ولا أستطيع الصبر أكثر، ولا أعرف كيف أواجهه لأجد الراحة، ولا كيف أتجاوز هذا الشعور!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله تعالى أن يربط على قلبك، ويعينك في محنتك، والحقيقة أن ما مررت به من خيانات متكررة، وإهمال للجانب الديني المتمثل في ترك الصلاة، ضاغط ومؤلم عليك، وليس سهلا على أي زوجة صالحة تحمل ذلك، خاصة وأنت حريصة على بيتك وأولادك.
وأتفهم جدا شعور الاختناق، الحيرة، والخوف من الانفجار، أو من الصمت، لكن أسأل الرحمن أن يجعل لك من أمرك فرجا ومخرجا، ويلهمك الصواب في القرار.
أما من الناحية الشرعية: فالصلاة عمود الدين، وتركها كبيرة عظيمة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" [رواه الترمذي]، لذلك فإن غيابها في حياة زوجك أمر يستوجب الوقوف بجدية، وعدم التهاون فيه، ثم إن الخيانة الزوجية محرمة ومعصية، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" [متفق عليه]. هذه الخيانة شأن عام سواء وقع الفعل المحرم (الزنا) أو مقدماته، ومع ذلك فإنك مأمورة بالحكمة في معالجة الأمور، خصوصا في ظل وجود أولاد، وحياة زوجية طويلة، وعواقب تخشينها على نفسك كما ذكرت: من عدم توفر النفقة، أو الخوف من الضرب والتعدي عليك.
وهنا أوصيك ببعض الخطوات العملية التي تجمع بين الجانب التربوي والنفسي والشرعي:
أولا: تقوية صلتك بالله تعالى، من خلال:
- الاكثار من الدعاء في الثلث الأخير من الليل، وفي أوقات الإجابة، خاصة الدعاء له بالهداية، قال تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} [القصص:56]، وكم من قلب غافل، فتحت أقفاله بدعوات خرجت من قلب صادق، ومن تقوية صلتك بالله تعالى أن تحافظي على ورد قرآني ثابت، يمنحك الطمأنينة، ويقلل من التوتر، ويشغلك عن مشاكلك.
ثانيا: اجلسي مع نفسك، وفكري أن الأولوية هي إصلاح الزوج واستمرار الزواج، وذلك لحماية أولادك، فالطلاق سيشتت الأسرة، ويضيع الأبناء، وضوح الهدف سيجعلك قادرة على التصرف بهدوء، واتخاذ القرار بحكمة وروية.
ثالثا: المواجهة الذكية، لا الانفجارية: وهنا أنصحك ألا تدخلي معه في نقاش وقت عصبيته؛ بل اختاري وقتا يكون فيه أكثر هدوءا، لا تواجهيه بالاتهامات مباشرة؛ لأنه سينكر، أو ينقلب غاضبا، أو يتخذ منك موقفا متشنجا ربما قاده لأن يفقد أعصابه، فيقع منه ما يسوؤك من ضرب، وغيره مما تخشينه، ولذلك حاولي أن تكرري العبارات العاطفية التي تعبر عن شعورك: أنا تعبانة جدا، أشعر أن بيننا فجوة كبيرة، وأتمنى أن نرجع قريبين مثل السابق، هذا الأسلوب يقلل دفاعيته.
رابعا: بناء مساحتك النفسية: وهنا أوصيك ألا تجعلي حياتك كلها دائرة حوله، اهتمي بنفسك، بهواياتك، وصديقات صالحات يخففن عنك، هذا لا يقلل من قيمتك كزوجة، بل يقويك نفسيا، ويشغلك عنه قليلا، وعن استصحاب مشكلته في كل وقت.
خامسا: حماية أولادك: مهما كان الخلاف، احرصي أن يظل البيت آمنا عاطفيا لهم، ولا تظهري أمامهم ضعفك أو شجارك معه، فهذا يربكهم نفسيا، كوني قدوة لهم في الالتزام الديني؛ عسى الله تعالى أن يجعلهم سببا لهدايته، ولا تطلعيهم على مشاكلك مع أبيهم، ولا على تصرفاته؛ حتى لا يسقط من نظرهم لو قدر الله تعالى توبته وعودته، بذلك تكونين حفظت كيان الأسرة، وجمعت شملها.
سادسا: لا بد لك من خطة بديلة: كوني واقعية، إذا استمر في ترك الصلاة والخيانة ولم يتغير، حددي خطة حماية لك، ولأولادك: هل يمكنك العمل أو تعلم مهارة لكسب دخل بسيط؟ هل لديك سند من أهلك أو أقاربك؟ مجرد وضع خطة بديلة يخفف عنك شعور العجز والاختناق، ولا تستسلمي للمشاعر السلبية والإحباط، وتخويف الشيطان لك، ثقي بالله تعالى ربك، فلن يضيع حرصك على أولادك، وهداية زوجك.
أختي الكريمة: تذكري أن سترك عليه طوال 16 سنة ليس ضعفا، بل حفاظ على البيت، وهذا عند الله تعالى عظيم الأجر، ولست مطالبة بالتحمل فوق طاقتك، ولا بإنكار مشاعرك، لكنك مأجورة على صبرك وسعيك للإصلاح، فاجمعي بين الدعاء والعمل، وكوني حكيمة في المواجهة، واعملي على تقوية نفسك روحيا وماديا، حتى تصبحي أكثر حرية في خياراتك المستقبلية.
نسأل الله أن يصلح حال زوجك، ويشرح صدرك، ويكتب لك ولأبنائك الخير حيث كان.