السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بيت أهلي مليء بالمشاكل، وكنت أعاني في بر أمي وأبي، وأراه العقبة في طريقي إلى ربي؛ لأنني كنت أجاهد كثيرا في برهما ولا أستطيع! هم طيبون ويحبوننا جدا، وأنا أحبهم، ولكن طريقتهم معنا صعبة جدا، ومليئة بالضرب والسب والقسوة، لم أشعر معهم بالحنان أبدا!
أتذكر يوما مسح أبي على رأسي، فرفرت عيناي بالدموع من حب ذلك الشعور الذي لم أعرفه يوما، وكم تمنيته، أصبح كل همي الزواج والزوج الصالح الحنون الذي سيعوضني عن كل هذا، وكنت أدعو دائما: "ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماما"
تقدم لي شاب فيه جميع الصفات التي تمنيتها، ولكن والدي رفضه لأسباب مادية؛ فحزنت، ثم تقدم لخطبتي زوجي الحالي، قلت لهم إني رافضة؛ لأنني علمت أنه غير ملتزم دينيا، لكن قلت لهم دعوني أستخير، ثم استخرت، ومع ضغط من حولي، ومع أنه عريس ممتاز، ووضعه المادي جيد، استخرت كثيرا وكنت أقول: "يا رب، أن يكون خيرا لي في ديني، لا أريد أن أفتن في ديني"، وسبحان الله، تم كل شيء بسهولة، وتمت الخطبة، وأحببته وأحبني.
زوجي منذ أول أيام في زواجنا قال لي: "عندك احتياج قوي للحنان"، حيث كنت أحب الأحضان كثيرا، عرف نقطة ضعفي وأصبح يعذبني بها! دائما ينام في غرفته وحده بحجة أن نومه خفيف، وأخلاقه سيئة جدا معي، دائما يصرخ ويعلي صوته ويسب، ولا يتعامل بلطف إلا إذا كانت له حاجة.
حتى طفلي الكبير -الله يهديه- يتعبني كثيرا، أحاول أن أكون له أما صالحة، فلا أستطيع، لا يسمع الكلام إطلاقا إلا إذا ضربته، أحاول أن أكون لزوجي زوجة صالحة، ولا أستطيع! يظلمني فأحاول إرضاءه قبل أن أنام عملا بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيزداد ظلمه لي ويتجرأ علي أكثر، أدخلت شخصا، فلم يجد شيئا.
لم أفهم حكمة الله من تزويجي إياه، وكان حلمي الوحيد هو الزوج والذرية الصالحة!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ علياء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.
وقد أحسنت -ابنتنا العزيزة- حين بذلت وسعك في محاولة استرضاء زوجك، وهذا عمل صالح تؤجرين عليه، بغض النظر عن نتائجه وثماره، فينبغي أن تواسي نفسك وتعزيها إذا لم تصلي إلى النتيجة المرجوة، والثمرة التي تأملينها، ينبغي أن تعزي نفسك بتذكر الثواب الذي وعد الله تعالى به المحسن من عباده، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.
وقد أحسنت ثانيا حين استحضرت أثناء هذا العمل أنك تعملين بتوجيه النبي ﷺ، وتمتثلين أمره، فنسأل الله تعالى لك مزيدا من التوفيق والتسديد والهداية.
وأما بشأن زوجك؛ فنبدأ أولا -ابنتنا الكريمة- بتذكيرك بما يخفف عنك هذا الضيق الذي تجدينه بسبب تصرفاته، وهذا المخفف عنك هو أن تتذكري أنك مهما كانت أحوالك مع زوجك فيها تقصير منه وإساءة، فإنك رغم ذلك كله في خير كثير، وأنك قد نلت نعمة أنعم الله تعالى بها عليك، وهي نعمة الزواج والأولاد.
وإذا تذكرت النساء اللاتي لا يحصي عددهن إلا الله تعالى، اللاتي يتمنين هذه النعمة التي أنت فيها، إذا تذكرت هذا فإنه سيدفعك إلى الشعور بفضل الله تعالى عليك ونعمته عليك، وهذا النوع من التذكر والتفكر توجيه نبوي، فقد قال الرسول ﷺ في الحديث الذي رواه مسلم: انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة ٱلله عليكم.
فهذه المقارنة مفيدة ومريحة للنفس، ومطمئنة للقلب؛ أن الإنسان لا يزال في خير، ولا يزال ينعم بفضل الله تعالى وجزيل عطاياه.
ونحن نشاركك المشاعر التي تجدينها من الضيق بسبب سوء تصرف زوجك معك، وهذا أمر لا ينبغي له أن يفعله، ولكن ينبغي أن تتذكري دائما -ابنتنا العزيزة- أن هذه الحياة لا تكتمل لهذا الإنسان، فإنها إذا أعطته شيئا أخذت منه أشياء أخرى، فالإنسان خلق في هذه الحياة مبتلى، ممتحنا، كما قال الرسول ﷺ: إن المؤمن خلق مفتنا (رواه الطبراني) يعني: معرضا للامتحان والاختبار، ومن ذلك الاختبار على الصبر والاحتساب، وتحمل مشاق هذه الحياة ومتاعبها.
فبعض الناس يبتليهم الله بالمرض، وبعضهم يبتليه بالفقر وشدة الحاجة، وبعضهم يبتليهم بالخوف والقلق والفزع، وآخر يبتليه بعدم الإنجاب، وآخر يبتليه بزوج سيئ العشرة، وهكذا؛ كما قال الشاعر:
كل من لاقيت يشكو دهره *** ليت شعري هذه الدنيا لمن؟
فلا تخلو هذه الحياة من منغصات وأكدار، وهي موضوع الامتحان والابتلاء، والإنسان ينبغي له أن يصبر، وأن يأخذ بالأسباب الموصلة لسعادته ولما ينفعه، كما قال الرسول ﷺ: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز (رواه مسلم).
وقد أحسنت -ابنتنا الكريمة- حين حاولت أن تستعيني بمن يصلح ما بينك وبين زوجك، ولكننا نقول هنا: ينبغي ألا تيأسي، وأن تكرري التجارب دون يأس، فإن الله تعالى يقلب القلوب، فـ إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء.
واصلي ما أنت عليه من الخلق الحسن مع زوجك، والإحسان إليه، والتودد إليه، واعلمي أن النفس البشرية تتأثر بمن يحسن إليها؛ فإن الكلمة الطيبة تقلب العدو صديقا، فكيف بالزوج الحميم؟!
اصبري على زوجك، وحاولي أن تتفهمي الأسباب التي تؤدي إلى قلقه وانزعاجه، وحاولي أن تتخلصي منها، واصبري على زوجك وإن أساء، فإنك -بإذن الله تعالى- معانة، منصورة، ولا بد أن يجعل الله تعالى لمساعيك وجهودك ثمرة، فإنه لا يضيع أجر من أحسن عملا، واهتمي بأولادك وحسن تربيتهم، فهما ثمرة جهدك وحياتك، نسأل الله تعالى أن يرزقك صلاحهم وبرهم.