لا أجد أثر العبادة في حياتي رغم التزامي بكل الطاعات!

0 7

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا أصلي، وأؤدي العبادات يوميا: أستغفر، أذكر الله، أقرأ القرآن، أصلي الضحى، وأحيانا أزيد ركعتين لله، وحتى إذا وقعت في معصية، أتوضأ وأصلي ركعتين، ثم أستغفر بعدها، وهذا هو روتين حياتي اليومي.

ومع ذلك أجد أن قلبي قاسيا ومتبلدا، وإيماني ضعيفا، لا أشعر براحة أثناء الصلاة، ولا أجد أثرا للعبادة في حياتي، ولا أرى أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر كما ينبغي، ولا أجد للذكر أثرا في انشراح الصدر، أو زيادة الإقبال على الله، وحتى ترك الذنوب والمعاصي لا أجدها في نفسي، تمضي حياتي كما هي، كأن قلبي مغلق، ولا أشعر بشيء، وكل الأفعال في نظري متشابهة مهما اختلفت!

وفي المقابل أرى غيري يتوب إلى الله بسهولة، وكأن الذنوب لا تترك في نفوسهم أثرا ثقيلا، أراهم يخشعون في الصلاة بسهولة، وقلوبهم حية تتأثر بالمواعظ والكلمات، بينما أنا لا أستطيع أن أصل لهذا الحال مهما حاولت.

هذه المقارنة جعلتني أشعر أنني مختلف عن الآخرين، وكأني لست طبيعيا، وصرت أراقب نفسي وأتساءل: أين الخطأ؟ لماذا أشعر أن بيني وبين الله حاجزا يمنعني من القرب؟

جربت كل شيء، فعلت الطاعات المطلوبة وزدت عليها، ومع ذلك لا أجد الأثر ولا الراحة، ولا أعلم ماذا أفعل بعد ذلك لكي أتقرب، أشعر أن كل الأبواب مغلقة أمامي، وأنني واقف في مكاني لا أتغير، ماذا علي أن أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ قصي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخانا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يشرح صدرك بالإيمان، وينوره بنور المعرفة، ويرزقنا وإياك الإنابة إليه، والاشتغال بذكره.

فقد سررنا كثيرا حين قرأنا هذه الكلمات التي كتبتها، وأنا أرى أنها رسائل إيجابية مبشرة؛ فإن هذا الشعور الذي تجده في صدرك الآن من تأنيب النفس، والشعور بضعف الإيمان، ونحو ذلك من المشاعر التي دونتها، هذه كلها مؤشرات خير؛ فاتهام الإنسان لنفسه وشعوره بأنه لا يزال مقصرا، هذا الشعور هو المطلوب في مراحل من مراحل حياة الإنسان؛ ليكون دافعا له نحو الاستمرار، ومحاولة الزيادة.

واتهام النفس بأنها ساهية لاهية، واتهام القلب بالقسوة، هذه إذا استثمرت استثمارا حسنا فإنها ستدفعك –بإذن الله تعالى- إلى دخول أبواب السعادة؛ فإن الصحابة الكرام -رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم- كانوا يكثرون اتهام أنفسهم، ولا يثقون بأعمالهم، فلا ينبغي أن تنزعج من هذا الشعور، بل ينبغي أن يبعثك ذلك على المحاولة في الرقي، والتقدم في طريقك إلى الله تعالى.

وشعورك بأن لك ذنوبا تحول بينك وبين الأنس والراحة؛ هذا شعور طيب ينبغي أن يبعثك إلى تجديد التوبة، فكلنا بحاجة إلى توبة كما أمرنا الله تعالى بذلك في كتابه، فقال: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور:31]، ويقول العلماء: "من أدام قرع الباب أوشك أن يفتح له".

فهذه هي القاعدة السلوكية التي ينبغي لك أن تتفطن لها، وتعمل بها، ألا تمل أبدا من طرق باب الله تعالى، والوقوف عند هذا الباب حتى يفتح، فليس لك طريق آخر، وليس لك وجهة تتوجه إليها إلا طلب مرضاة الله تعالى؛ فالله تعالى وحده الملجأ، وهو وحده الذي من خافه ينبغي أن يفر إليه، بخلاف غيره، فإن غيره إذا خفته فررت منه.

ننصحك بالنصائح التي توجه لكل مؤمن: دوام الاستغفار، والإكثار من ذكر الله تعالى، والمداومة على فعل الفرائض، واجتناب المحرمات، وصحبة الصالحين الأبرار، والإكثار من مجالستهم للذكر، وستجد نفسك -بإذن الله تعالى- تتقدم شيئا فشيئا، ولا ينبغي أبدا أن تغفل عن وعد الله القائل: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} [العنكبوت:69].

فمهما تبدا لك، وظهر أن الأبواب مغلقة، وأنك لا تجد خشوعا ولا حضورا؛ فإن هذه أحوال مؤقتة، ستزول –بإذن الله تعالى– عن قريب، فاستمر على ما أنت عليه، وواصل الطريق الذي بدأت سلوكه، وستجد ثمرة جهدك وحصيلة عملك تستقبلك -بإذن الله تعالى-.

احذر من أن يجرك الشيطان للإعراض عن هذا الطريق؛ بحجة أنك لا تجد اللذة والراحة النفسية والسعادة؛ فهذه حيل شيطانية يحاول الشيطان من خلالها صد الإنسان عن سلوك طريق الله تعالى، والوصول إلى رضوانه وجنته، أنت لا تدري ما في قلوب الآخرين، فإنهم ربما يشاركونك هذه المشاعر، ولكنك لا تراها.

نجدد وصيتنا –أيها الحبيب– بضرورة التوبة إلى الله تعالى من كل الذنوب، واستشعار أن الإنسان مهما فعل من الطاعات فإن ما فعله لا يزال قليلا، ولكن الله تعالى بفضله وكرمه يقبل منك اليسير ويجزيك عليه الشيء الكثير، ومن رحمته تعالى أنه يجزيك على أذكارك وعباداتك، وإن قل فيها الخشوع، أو انعدم فيها الحضور؛ فكرم الله تعالى واسع، فكل جهد تبذله أنت مأجور عليه، وهو مدخر لك، وستصل إلى ما ترجوه وتأمله.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات