السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعيش في هذه الفترة حالة من الاكتئاب، وأشعر أنني وصلت إلى نهاية المطاف، لدي ابن في الصف التاسع، وآخر في الصف السابع، وأعاني من المقارنة بينهما وبين أقاربهما؛ إذ إن أولئك متفوقون في دراستهم، ومتميزون في حفظ القرآن الكريم، بينما أبنائي في أفضل أحوالهما، لا يتجاوزون معدل 80 من 100.
أتعبني تدريسهما، فقد كنت أتابعهما بنفسي، لكنني تركتهما هذا العام، لكنهما لا يدرسان إلا إذا غضبت وصرخت عليهما، بل وأحيانا أضربهما، ولا يقومان بالدراسة من تلقاء أنفسهما، بل لا بد من مراقبتهما.
أشعر بالتعب النفسي كلما رأيت أقاربهما يدرسون ويحفظون القرآن بأنفسهم ويتفوقون، بينما أبنائي لا يفعلون، وجربت معهما أساليب العقاب والمكافأة، لكن حتى العقوبات لا تجدي نفعا، ولا يلقيان لها بالا، نصحتهما كثيرا دون جدوى، ووضعت لهما جوائز تحفيزية في نهاية الشهر أو السنة، ومع ذلك لا أرى منهما أي مبالاة.
لا أعلم هل أستمر في تدريسهما ومتابعتهما، أم أتركهما ليشقا طريقهما بأنفسهما؟ لقد دعوت الله كثيرا، ولا أعلم ماذا أفعل؟ وكل ما أريده هو أن ينجحا ويتفوقا، لكنهما لا يهتمان، وأعيش ألما نفسيا كلما رأيت أبناء عمومتهما متفوقين.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عبد الرحمن حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا لك على ثقتك بموقع إسلام ويب، وطلبك الاستشارة، ونحن ندرك ما تمرين به من مشاعر صعبة ومفهومة، فالأم بطبيعتها تحمل هم أبنائها، وتحرص على تميزهم الديني والخلقي والعلمي، وهذا أمر عظيم يحتاج إلى صبر ومجاهدة، فالتربية جهاد حتى ينشأ الابن صالحا نافعا، يكون علمه وعمله صدقة جارية لوالديه في الدنيا والآخرة.
المقارنة بين الأبناء، سواء فيما بينهم أو مع أقرانهم تورث الحزن، وتثقل قلب الأم، وغالبا لا تحقق النتيجة المرجوة، وما تشعرين به من أسى وضغط لا ينقص من قيمتك كأم، بل يمكن أن يكون حافزا للبدء بخطوات عملية للتصحيح والتطوير، وتذكري أن التربية أمانة تقوم على التوازن بين الحزم والرفق، وقدوتنا في ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان أرحم الناس بأهله، ومع ذلك كان حازما عند الحاجة، فجهدك وإخلاصك لن يضيع -بإذن الله-، وستجنين ثماره عاجلا أو آجلا، فالله تعالى يقول: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا}.
وللتعامل مع هذه المشكلة، نقدم لك مجموعة من التوصيات والخطوات العملية تتمثل فيما يلي:
- الاعتناء بنفسك وبصحتك النفسية: إذا شعرت بأن الاكتئاب أو الضغوط تؤثر على قدرتك التربوية، فبادري بطلب المساعدة والاستشارة من أهل الثقة والاختصاص، فطلب العون ليس ضعفا، بل هو خطوة ضرورية للقيام بالأمانة الموكلة إليك في تربية أبنائك، واحرصي كذلك على أخذ قسط كاف من النوم، والالتزام بغذاء صحي متوازن، وتخصيص وقت يومي قصير للمشي أو الاسترخاء، ونؤكد هنا أن صحة الأم الجسدية والنفسية تنعكس مباشرة على جودة تربيتها لأبنائها.
- أوقفي المقارنة بين أبنائك وأقرانهم من الأقارب أو غيرهم: فمن العدل والإنصاف أن يكون تقييمك لكل ابن وفق إمكاناته وقدراته، وبالمقارنة مع ما كان عليه سابقا، لا مع الآخرين، وسجلي نجاحاتهم الصغيرة مثل: انتظامهم في المذاكرة، أو المراجعة اليومية، أو حفظ مقاطع قصيرة من القرآن الكريم بحسب قدراتهم.
- احرصي كذلك على وضع قواعد واضحة وثابتة داخل المنزل بدلا من الغضب والعنف، مثل: جدولة أوقات المذاكرة، وتنظيم وقت استخدام الأجهزة والمنصات الإلكترونية، وتحديد واجبات الحفظ، وليكن هناك عواقب واضحة ومتناسبة، مثل: تقليل وقت الشاشات، أو سحب بعض الامتيازات ليوم واحد، مع تطبيقها بثبات، ونوصيك بالامتناع عن الضرب في هذه المرحلة العمرية -مرحلة المراهقة والبلوغ-، لأنه يزيد من العناد والتمرد، ولا يعلم الأبناء الاستقلالية، والأفضل استبداله بعواقب منطقية واضحة تساعد على تدريبهم على تحمل المسؤولية تدريجيا.
- كما ننصحك بتحسين علاقتك معهم، ومناداتهم بأحب الأسماء إليهم، والتقرب منهم، وتخصيص وقت للتعايش الأسري الحميمي المليء بالعاطفة، واجعلي مكافآتهم مرتبطة بالوقت أو التجارب، مثل: خروج عائلي، أو اختيار وجبة، أو نشاط خاص، بدلا من الاقتصار على المكافآت المادية، على أن تكون بقدر معتدل حتى لا تفقد أثرها.
- وفي ما يخص حفظ القرآن: استخدمي طرقا عملية تناسب أعمارهم؛ فالأفضل تقسيم الحفظ إلى مقاطع قصيرة مع مراجعة يومية منتظمة، وإن أمكن فاستعيني بمحفظ أو معلم خارجي، لتخفيف التوتر العاطفي في هذا الجانب.
وأخيرا: اجعلي لغة الحوار هادئة دائما، وانتقي الأوقات المناسبة للنصيحة والتوجيه، مع التعبير المستمر عن مشاعر الحب والاحتواء، وشاركي أبناءك في وضع الخطط الدراسة والحفظ؛ ليشعروا بالمسؤولية تجاه ما خططوا له هم، لا ما فرض عليهم.
عليك بالدعاء الدائم لأبنائك بالهداية والتفوق والصلاح، ونسأل الله أن يصلحهم لك، ويقر عينك برؤيتهم على خير، ويجزيك خير الجزاء على صبرك في تربيتهم، وحرصك على صلاحهم، اللهم آمين.