قررت أن أعيد قلبي إلى فطرته السليمة بعد تلوثه بالوساوس!

0 6

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا حاليا في التاسعة عشرة من عمري، طالب في كلية الصيدلة بجامعة الأزهر.

تدور قصتي حول الوسواس القهري في العقيدة وتأثيره على القلب، وقد بدأت معاناتي مع هذا الوسواس منذ دخولي الثانوية الأزهرية، وتحديدا في الصف الأول الثانوي، تزامنا مع التزامي بالصلاة وفعل الخير.

تفاقم الوسواس يوما بعد يوم، فبدأت أبحث عن فتاوى وفيديوهات تطمئنني بأن إيماني بالله بخير، لكنه استمر معي نحو سنتين، حتى نهاية الصف الثاني الثانوي، حينها شعرت بأن قلبي لم يعد يقاوم هذه الشبهات؛ وأصبحت أسمعها دون أن أنكرها على نفسي، بل تمر كأي شيء آخر، وفقدت الخشوع في الصلاة تماما، وشعرت باليأس، وظننت أن الله قد طبع على قلبي.

تحولت الوساوس إلى شكوك، فصارت الشبهات تبدو لي أقرب إلى الحقيقة -والعياذ بالله- وعندما كنت أسمع ردودا عليها، كنت أشعر بأنها ناقصة أو غير واضحة، حتى قراءتي للقرآن أصبحت مصحوبة بأسئلة ذهنية متكررة مثل: لماذا هكذا؟ دون أن أستنكر هذه الأفكار.

تركت هذه الأمور وأنا محطم تماما في بداية الشهادة الثانوية الأزهرية، وقررت أن أؤجل التعامل معها حتى أنهيها، كنت أتألم خوفا من أن أموت وأنا على هذا الحال، حاملا في قلبي هذه الشكوك، والعياذ بالله.

بقيت على هذا الوضع حتى لم أعد أكترث للموضوع نهائيا، وعاد إلي النوم الهادئ بعد أن فقدته، وشعرت أن قلبي قد مات بلا عودة، ولم أعد أهتم، حتى أنهيت الثانوية والسنة الأولى من كلية الصيدلة.

والآن قررت أن أعيد قلبي إلى فطرته السليمة، كما كان في السابق حين كنت أحب ديني حبا فائقا، وأتحدث دائما عن قصص الأنبياء وعظمة القرآن وقلبي يملؤه الفرح، أود أن أعرف: هل ما زلت مؤمنا أم لا؟ وهل يمكن أن أعيد قلبي السليم، وكيف؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يثبتك ويشرح صدرك ويعافيك من همك ووساوسك، وأن يرزقك حلاوة الإيمان ولذة الطاعة كما كنت تحب وزيادة، ودعنا نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: هل ما زلت مؤمنا؟
نعم، أنت مؤمن بإذن الله، وقد ظهر ذلك في كلامك وحرصك وبكائك وخوفك من أن تكون فقدت قلبك، فالوساوس التي مررت بها ليست كفرا، ولا تخرجك من الملة؛ لأنها خواطر تكرهها ولا ترضاها، وقد قال النبي ﷺ: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به".

أما انتقال الوسواس من مرحلة الإزعاج إلى مرحلة الشكوك؛ فهذا أيضا من عمل الشيطان؛ فهو لا يزال يزين لك الباطل ويشوش عليك الحق حتى يظنك ضعفت، لكنك -والحمد لله- لم توافقه ولم تنطق بالكفر، بل كنت تتألم وتبكي وتدعو، وهذا كله دليل على أن قلبك حي، لم يمت كما تظن.

فاطمئن: أنت مؤمن، والله -عز وجل- أرحم بك من نفسك، ولو كنت فقدت الإيمان حقا ما كنت لتجلس تكتب هذه الكلمات باكيا تبحث عن طريق الرجوع.

ثانيا: هل يمكن أن يعود قلبك سليما كما كان؟
نعم، بل قد يعود أقوى مما كان، فالله تعالى يبدل الأحوال ويحيي القلوب بعد موتها، وقلبك لم يمت، لكنه أصيب بالوسواس والشكوك، وهذه مثل السحاب يمر ثم ينقشع، ولو تمسكت بالله وعدت إلى العبادة والذكر والتفكر الصحيح؛ فسيعود قلبك أنقى وأصفى مما كان، ومع المجاهدة سترى أن هذه التجربة صنعت منك إنسانا أقوى وأكثر فهما لدينه.

ثالثا: كيف تعيد قلبك إلى صفائه؟
1- توبة صادقة ودعاء دائم: ننصحك أن تجعل لك خلوة مع الله، اشك لله همك وقل: "اللهم اهد قلبي، واصرف عني الشك والوسواس، واملأ قلبي بحبك وحب نبيك"، وكرر ذلك بيقين.

2- المداومة على الصلاة: لا تجعل الشيطان يحرمك منها، ولو بلا خشوع كامل في البداية، يكفي أن تقف بين يدي الله وتقول: "إياك نعبد وإياك نستعين"، فهذا بذاته يقوي قلبك مع الأيام.

3- صحبة صالحة: اجلس مع طلاب علم أو إخوة يذكرونك بالله، واحذر الفراغ، فالوحدة أرض خصبة للوسواس.

4- العلم والرد على الشبهات: لا تبحث في الشبهات وحدك، بل اسأل المختصين من أهل العلم فيها، وستجد أن كثيرا مما حيرك له جواب واضح، لكن الشيطان كان يحجب عنك رؤية الحق.

5- أذكار الصباح والمساء: حافظ عليها؛ فهي حصن عظيم من الوساوس، خصوصا آية الكرسي، وسورة الإخلاص والمعوذتين ثلاثا.

6- التدرج في العودة: لا تشترط أن يعود قلبك فجأة كما كان، ابدأ بخطوات صغيرة: صفحة قرآن يوميا، ركعتا نافلة، استماع لمحاضرة. شيئا فشيئا، وستشعر أن قلبك يلين ويتفتح.

وأخيرا: اعلم أن ما شعرت به من فقدان لذة الإيمان؛ لا يعني أن الله طبع على قلبك، هذا وهم من الشيطان فانتبه، واعلم أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء، وقد كان الصحابة أنفسهم يقولون: "نكون عند النبي ﷺ كأننا نرى الجنة والنار رأي عين، فإذا خرجنا عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا". فقال ﷺ: "لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة"، إن تغير الحال طبيعي، وليس موتا للقلب.

نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات