هل يمكن الاعتماد على الرياضة لعلاج الأمراض النفسية؟

0 8

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أساتذتي الأكارم، الأطباء والمشايخ في الشبكة الإسلامية: بوركتم جميعا، وزاد الله في نفعكم، وأجزل لكم الثواب، فها أنا ذا أعود إليكم مستبشرا متفائلا، بل ومتسائلا أيضا عن بعض الأمور التي قد تنفعني في رحلة علاجي.

لقد سبق أن أخبرتكم بأنني أتداوى من أعراض الفصام والاكتئاب، وحالتي الآن مستقرة، -ولله الحمد والفضل-، لكنني أثناء قراءتي لقصص من هم في مثل حالتي، رأيت أن العلم الحديث، وأهل الطب، والدراية قد يفتحون بابا من الأمل في شأن علاج بعض الاضطرابات النفسية بطرائق بديلة، غير الأدوية المعروفة.

وقد قرأت أن من أبرز الطرق التي تم اكتشافها حديثا: الرياضة، وممارستها بانتظام، وأنها قد تسهم بشكل كبير في السيطرة على الأعراض، والحد منها إلى درجة ملحوظة، وهذا الأمر بعث في الأمل، فرأيت أن أطرح عليكم بعض الأسئلة حول هذا الموضوع، فأنتم من خبراء هذا الشأن، ولديكم -بحمد الله- اطلاع واسع، ومتابعة دائمة لأحدث ما توصلت إليه جهود الأطباء والباحثين.

استفساراتي:
- هل يمكن فعلا الاعتماد على ممارسة الرياضة وحدها في التخفيف من هذه الأعراض، أم يجب الجمع بينها وبين الدواء؟

- وإذا كان الأمر كذلك، فأي نوع من أنواع الرياضة أشد تأثيرا وأكثر فاعلية؟

- وهل هناك وسائل أخرى بديلة لعلاج هذه الأعراض غير الأدوية، كاتباع نظام غذائي خاص مثلا؟

- وهل من الممكن أن تزول هذه الأعراض، واضطراب كيمياء الدماغ من تلقاء نفسها، ويعيد الدماغ تهيئة نفسه طبيعيا؟

أجيبوني مشكورين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكر لك -يا أخي- على تواصلك مع إسلام ويب، وثقتك في هذا الموقع، ونشكرك على كلماتك الطيبة، ودعواتك الجميلة، نسأل الله الاستجابة، وأن ينفع بها الجميع.

أيها الفاضل الكريم: كما هو معلوم، الأمراض النفسية، والحالات النفسية في جلها متعددة الأسباب، ولا بد للعلاج أن يكون متعدد الأبعاد:
- البعد البيولوجي، أي الدوائي.
- البعد النفسي، أي السلوكي.
- البعد الاجتماعي.
- وكذلك البعد الديني.
والرياضة تشمل جزءا من البعد السلوكي والاجتماعي.

فيا أخي الكريم: دور الرياضة بالفعل أثبت تماما أنه دور ممتاز وفاعل، وعلى سبيل المثال: الأبحاث الحديثة التي صدرت في أوروبا وأمريكا الشمالية، تشير إلى أن مواصلة الرياضة مع الصيام المتقطع، هي من أفيد وسائل علاج الاكتئاب النفسي، وتطوير الحالة النفسية للإنسان، لتكون أكثر إيجابية.

فإذا الآليات العلاجية يجب أن تكون متكاملة ومتضافرة، وفي حالات الفصام والاكتئاب لا يمكن أن نقول إن الرياضة وحدها سوف تعالج، لكن الرياضة تساعد بدرجة كبيرة في الارتقاء بالصحة النفسية عموما.

يجب أن تتناول العلاج الدوائي مع ممارسة الرياضة، وبالفعل أثبت أيضا أن الرياضة تقلل من الجرعات الدوائية، وهذا شيء إيجابي جدا، فعليك بممارسة الرياضة، وأن تجمع بينها وبين العلاج الدوائي.

أخي الكريم: أي نوع من الرياضة ينتج عنه ما يسمى بالتأثير الرياضي، التأثير الرياضي يأتي مثلا إذا كان الشخص يمشي ويحس بشيء من تسارع ضربات القلب، أو شيء من التعرق، هذا يعني أن الأثر الرياضي قد بدأ، وهذا غالبا يظهر بعد 10 إلى 15 دقيقة من بداية المشي، وطبعا حسب سرعة الخطوات.

فأي رياضة تناسبك هي جيدة، ونحن نقول: حتى لا يتضجر الإنسان من الرياضة -بالرغم أنها جميلة-، فإن التنوع في الرياضات قد يكون أفضل؛ مثلا: المشي أو السباحة كلاهما جيد، وطبعا الطرق المتاحة تختلف من شخص إلى آخر، هذا بالنسبة للرياضة.

ومن المهم جدا ألا يقل المشي مثلا عن ساعة في اليوم، المشي الرياضي ذو أثر رياضي، البعض يقول 40 دقيقة كافية، لكن أعتقد أن ساعة كاملة سوف تكون أفضل على الأقل تكون ثلاثا إلى أربع مرات في الأسبوع، ويا حبذا لو كانت يومية فهو أفضل.

بالنسبة لجانب اتباع نظام غذائي: فقد ذكر الكثير والكثير حول هذا الموضوع حوله، لكن الشيء الثابت هو أن التوازن الغذائي هو المطلوب، بمعنى أن تحتوي وجبة الطعام على النشويات، وشيء من الدهون، وشيء من البروتينات، وشيء من الفيتامينات والأحماض الأمينية؛ هذه كلها يجب أن تجتمع في الوجبة الصحيحة.

أما سؤالك الأخير: هل يمكن أن تذهب هذه الأعراض واضطراب كيمياء الدماغ من تلقائها، ويعيد الدماغ تهيئة نفسه؟
الشيء المعروف أن الإنسان حباه الله تعالى بنوع من التطور الداخلي الكيميائي، بمعنى: أن الإنسان قد يحدث له توازن كامل، أو ما نسميه بالاستتباب، أي الاستقرار البيولوجي، فلذا نقول لبعض الناس الذين يعانون من حالات قلق أو توترات: لا تذهبوا إلى الأطباء، الأمر بسيط جدا، أعطوا أجسادكم فرصة لتعيد تقييمها وتنظيم ذاتها.

أما في حالات الفصام والأعراض الفصامية، إذا كانت حصلت أي انتكاسات للإنسان؛ هذا يعني أنه قد يحتاج للدواء لفترة طويلة، وربما يكون من الصعب أن ينظم الدماغ نفسه بنفسه، يكون مثل موضوع السكري، مثلا يعرف أن مرض السكر هو ناتج من عجز أو ضعف في غدة البنكرياس، وهكذا يحتاج لتناول الأدوية التي قد تكون لفترة ليست قصيرة.

لكن بصفة عامة، الإنسان يتطور، وتزيد مهاراته وإمكاناته، وهذه نعتبرها آليات تأهيلية مهمة جدا في الصحة النفسية، بمعنى أن الإنسان حتى وإن لم يرجع الدماغ لوضعه الطبيعي، فسوف يتحسن كثيرا، وهذا يقلل من الحاجة إلى الأدوية.

بارك الله فيكم، وجزاك الله خيرا.

مواد ذات صلة

الاستشارات