السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
أنا البكر بين إخوتي، وعمري 28 سنة، كبرنا في منزل مليء بالإساءات والضرب والإهانات، حتى لم نكن ندري لماذا نضرب ونهان، حتى والدتي المسكينة لم تسلم، وبعد أن كبرت دخلت في صراعات ومخاصمات مع الوالد، تحسنت معاملته معي، ولكنه يذل أمي ويعذبها، مع أنها تخدمه وتعامله أحسن معاملة وخدمة.
المشكلة هي: أنني كلما شددت وصرخت عليه، تنتهي المشاكل في البيت وتتحسن معاملته لكل الأسرة، وكلما أحسنت معاملته يعود إلى ظلمه وأذيته، فهل أأثم على هذا؟ مع أنني جربت كل الطرق للتقرب إليه من كلام ونقاش وحوار.
أرجو الرد في أسرع وقت، وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أيمن .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك - ولدنا الحبيب - في الاستشارة، ونشكر لك تواصلك مع الموقع، ونشكر لك كذلك رحمتك بأمك وإشفاقك عليها، ونسأل الله تعالى أن يجعلك مفتاحا للخير، بارا بوالديك، محسنا إليهما، وسببا في سعادتهما.
نحن نتفهم – أيها الحبيب – المشاعر التي تكبتها في نفسك بسبب ما تراه من سوء معاملة والدك لك ولباقي الأسرة، وخاصة لأمك، وهذه – وإن كانت إساءات من الوالد – فإن الله تعالى محاسبه على ذلك، ويجازيه بعمله، ولكن كل ذلك لا يبرر لك الإساءة إلى والدك، فإن الله تعالى أمر بمصاحبة الوالد بالمعروف والإحسان إليه مهما بلغت إساءته، وقد قال الله تعالى في سورة لقمان: ﴿وإن جاهداك علىٰ أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا﴾.
فأمر - سبحانه وتعالى - بمصاحبة الوالدين بالمعروف مهما بذل الوالد من جهد للإساءة للولد، وليس هناك أعظم من هذه الإساءة، أن يحاول ويسعى جاهدا ليخرج ولده من الإسلام، فيصبح من أهل النار المخلدين فيها، ومع ذلك قال الله تعالى: ﴿فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا﴾ أي: لا تطعهما في المعصية والكفر، ولكن يجب عليك أن تصاحبهما بالمعروف والإحسان.
والفقهاء المسلمون يقررون في كتبهم أن الولد ينبغي له أن يأمر والده بالمعروف وينهاه عن المنكر برفق ولين، بحيث لا يغضبه، فإذا غضب الوالد وجب على الولد أن يسكت؛ فلا يأمره بمعروف ولا ينهاه عن منكر؛ لأنه إذا أغضب الوالد وقع في منكر آخر، وقد قال الرسول ﷺ: رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد.
فننصحك – أيها الحبيب – أن تجاهد نفسك في الله تعالى، وتحاول إرغامها على الوقوف عند حدود الله، وألا تنجر وراء النزعة النفسية، وأن تحذر من تبريرات الشيطان لما قد تفعله من إساءات لوالدك، ولكن يمكنك أن تصل إلى ما تريده من نصح للوالد بالكلام اللين، فتنصحه وتبين له بأدب.
ولا بأس أن تظهر له أنك تغضب وأنك تحزن لما تراه منه من إساءات للأسرة ولأمك خاصة، لكن لا يصل بك أن ترفع صوتك عليه؛ فقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا﴾، فنهى الله تعالى أن نقول للوالد (أف)، ولو كانت هناك كلمة أقل منها تدل على التضجر لنهانا الله تعالى عنها، كما قال العلماء، وأمرنا بأن نقول لهما قولا كريما، والقول الكريم هو القول الحسن، القول الجميل.
حاول أن تستعين بمن يؤثر على والدك من الأقارب، كأعمامك، وأصدقاء الوالد، ونحوهم ممن يؤثرون عليه بالكلمة، واستعن بالله - سبحانه وتعالى - على ما تريده من إصلاح الحال، وادع الله تعالى أن يهدي والدك ويرده إلى الحق ردا جميلا.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.