المصائب تتوالى عليّ ولا أستفيد مما أكسبه من مال، فما سبب ذلك؟

0 3

السؤال

أنا في التاسعة عشرة من عمري، وتحدث لي أمور غريبة، فعلى سبيل المثال، عندما أكون في طريقي إلى العمل، ينكسر هاتفي المحمول، وكأن القدر يمنعني من الذهاب. أحيانا تتعطل سيارة الأجرة، فأتأخر عن العمل، وأنا أعمل حاليا في توصيل الطلبات، وكلما توكلت على الله وخرجت، أجد أن الدراجة النارية بها عطل.

لم أستمر يوما في وظيفة، ولم يحدث أن أمسكت المال بيدي فترة طويلة، كل أموالي تذهب في المصائب التي تحدث لي، وأشعر أن ما يحدث لي ليس أمرا طبيعيا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ زياد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك.
أخي المبارك: اعلم أن طبيعة الدنيا هكذا: دار ابتلاء وامتحان، لا يكاد أحد ينجو من هم أو غم أو عارض أو مصيبة، غير أن الإنسان إذا حصر نظره في ما أصابه من أذى، وتغافل عما صرف عنه من شدائد، ضاق صدره ورأى نفسه في أشد الناس بلاء، وربما قال: "أنا منحوس، لا حظ لي"، لكن لو اتسع نظره لرأى العكس: أن الله يسوق له من اللطف الخفي ما لو أدركه لسجد شكرا لله.

انظر -يرحمك الله- إلى عمرك: تسعة عشر عاما، في شبابك وقوتك، تتحرك وتسعى وتكسب رزقك بيديك، بينما في مثل سنك شاب مريض بالكلى، يقضي نصف عمره على سرير المستشفى يغسل دمه ثلاث مرات في الأسبوع، ويتعب بقية الأيام، فلا يعرف للراحة طعما، وأنت بالنسبة له مثال الأمل والحياة التي يتمنى لو عاشها.

وتأمل أحوال من هم في بلاد ابتلاها الله بالحروب: شباب مثلك لا يجد مأوى ولا سقفا، يبيتون في خيام بالية أو في العراء، يبحثون عن لقمة يسدون بها رمقهم أو ماء يطفئون به عطشهم، وقد حرموا دفء الأسرة وطمأنينة البيت، بينما أنت ما زلت تجد سقفا يحميك، ويدا تمتد لك من أهلك أو أحبابك.

وتذكر من ابتلي بالسرطان، وهو في سنك أو أصغر، يبيت على فراش الألم في المستشفى، لا يدري أيسمع أذان فجر جديد، أم يكون ليله آخر ما عاش، وهناك آخرون لا يعرف لهم داء، يتقلبون بين الأطباء ولا يجدون دواء، ويعيشون حياتهم في تيه وحيرة.

فإذا سرت في الطريق ورأيت أعمى يتحسس الجدار بعصاه، فاذكر نعمة البصر، واحمد الله أن عينيك تبصران، وإذا وقعت عيناك على مشلول لا يقوى على تحريك أطرافه، فاذكر قوة يديك ورجليك واشكر الله، وإذا أبصرت مجنونا يهيم في الطرقات بلا عقل، فاذكر نعمة العقل التي أودعها الله فيك، كل ذلك حتى تعلم أن البلاء درجات، وأن ما أنت فيه قد يكون في أعين غيرك نعمة عظيمة يتمناها.

ودعنا نفسر ما حدث لك من ناحيتين:
أولا: من الناحية العملية: فعملك في توصيل الطلبات، وكثرة تنقلك على الدراجة النارية، يجلب معه بطبيعته أعطالا ومشاكل، فليس كل ما يحدث لك قدرا غريبا، أو سرا عجيبا، بل كثير منه نتيجة طبيعية للاستخدام المتكرر، والإرهاق المستمر للدراجة.

كذلك أمر الهاتف المحمول، فقد ينكسر أو يتأخر صاحبه كما يقع لغيرك من الناس، لكنك حين تكون مثقلا بالهموم، تبدأ في تضخيم كل حادثة صغيرة، وترى أن الكون كله قد اجتمع ضدك، وهو في الحقيقة لم يتغير، وإنما نظرتك أنت هي التي أثقلت قلبك.

ثانيا: من الناحية النفسية:
ربما أدخلك الضغط المتراكم في دائرة ما يسميه أهل النفس "التفكير الكارثي"، فتجد نفسك تتوقع الشر قبل وقوعه، فإذا حدثت حادثة عادية -كتعطل في الطريق أو خسارة بسيطة- أخذتها دليلا على أنك "منحوس"، وهذا المسار النفسي يرهقك أكثر مما يرهقك العمل نفسه، حتى تظن أنك لن تمسك مالا بيدك يوما، أو أن أبواب النجاح موصدة في وجهك، لكن الحق أن هذه مجرد أوهام سوداء، تبذرها نفسك فتستنزف طاقتك، ولو بدلتها بالتفكير الإيجابي لانقلب الحال إلى راحة وسكينة.

لذا ننصحك بما يلي:
- لا تحبس نفسك في دائرة التشاؤم، بل تذكر نعم الله عليك.
- قسم مالك مهما كان قليلا، اجعل منه نصيبا صغيرا للطوارئ، فإن الادخار حصن في وجه المصائب.
- الزم عملا واحدا ولا تتركه سريعا، فإن الاستقرار يجلب الرزق ويورث البركة.
- دون أحداث يومك، فما تكتبه سيكشف لك أن ما تظنه بحرا من المصائب، ليس إلا قطرات متفرقة.
- لا تتردد في أن تبوح بما يثقل صدرك لصديق حميم صالح.
- حافظ على أذكارك دائما.

ونحن نسأل الله الكريم أن يحفظك من كل مكروه، ويكشف عنك ما حصل لك، ويبارك لك في أهلك ورزقك، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات