السؤال
السلام عليكم.
أولا: أود أن أشكركم على جهودكم ونصائحكم، وأسأل الله العظيم أن يجزيكم عن كل أحد تساعدونه خيرا.
ثانيا: كنت أود أن أستفسر عن شيء في استشارتي السابقة، وهي الذنوب التي وقعت فيها في مرضي مثل: ترك الصلاة والعقوق، لم تكن بإرادتي، فمثلا: الصلاة كنت أشعر أنها ليست مشروعة أصلا! وأني لست في الإسلام، ولا صلاة علي -والعياذ بالله-.
أما والدتي؛ فصرخت عليها في نوبات الهستيريا، ولم أكن أتحكم بنفسي، حتى إني هربت من البيت في ليلتها في نصف الليل، وأنا لا أدري أين أذهب، وبعد ذلك بعد أن شفيت شعرت أن الذنوب من السهل ارتكابها بالنسبة لي، بسبب إني وقعت فيها في وقت مرضي.
ثالثا: هل الشاب الذي نشأ في طاعة الله، لكنه ارتكب بعض الذنوب في مدة، هل سيفوز بهذه الدرجة يوم القيامة -بإذن الله-: (وشاب نشأ في عبادة الله)؟
رابعا: توقفت عن الأدوية لأسبوعين، لأني كنت في امتحانات، والأدوية تجعلني أنام مبكرا، وبعد الامتحانات أمي رفضت أن أعود إلى الأدوية قائلة: لست بحاجة لها! فلم يحدث لك شيء بعد أن تركتها كل هذه المدة، وأمرتني أن لا أكلم حتى الدكتورة، وأن أتناول بودرة اسمها (ashwagandha)، تقلل القلق، فهل أطيعها في ذلك، أم أسأل طبيبتي النفسية؟
بارك الله فيكم، وجزاكم عني كل خير كما ساعدتموني، وآسفة إذا أزعجتكم بكثرة استشاراتي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رحمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يحفظك من كل مكروه وسوء.
اعلمي أيتها الفاضلة أن رحمة الله إذا أحاطت بالعبد غمرت ضعفه، وسترت زلاته، وعوضته خيرا مما فقد، وما حدث لك في أيام مرضك من ترك للصلاة، أو صراخ على والدتك، إذا كان في لحظات الهستيريا المفقدة للعقل، فهو في ميزان الشرع غير محسوب عليك؛ لأن الله -جل وعلا- لا يحاسب العبد إلا وهو في تمام العقل والقدرة والاختيار، فالله يقول: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق" وهذه النصوص أصل جامع في أن من غاب وعيه، أو فقد توازنه، حتى لا يملك نفسه ولا يعي ما يفعل؛ فإنه خارج عن نطاق التكليف، فلا تكتب عليه الذنوب، بل يثاب إن صبر، ويرحم إن دعا؛ ولهذا قال بعض أهل العلم: كل من غلب على عقله بمرض أو هوس أو اضطراب نفسي شديد، فهو في حكم المجنون في تلك اللحظة، مرفوع عنه القلم حتى يفيق.
ثم اعلمي أن من رحمة الله تعالى بنا أن الذنوب لا تحجب فضله إذا صحت التوبة، فالشاب الذي نشأ في طاعة الله، ثم غلبته نفسه، أو استزله الشيطان، فإن باب الرحمة مفتوح له ما دام يرجع ويتوب، بل قد يكون رجوعه بعد الذنب بابا لرفعة جديدة، لم تكن لتكون لولا تلك الزلة، فأملي في الله خيرا، واستمعي إلى قول الله تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات}، فما أعظم الكرم! السيئات نفسها تقلب حسنات إذا صح الإيمان والعمل بعد التوبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"، فكيف يخاف المؤمن أن يفوته الفضل، وربه يحول ذنوبه إلى درجات، وزلاته إلى قربات؟!
فلا تيأسي من رحمة الله، ولا تظني أن تلك الفترة قد حرمتك شيئا من الدرجات، بل لعلها كانت سبيلا لرفعة قلبك، وتعلمك معنى الافتقار إلى الله بعد طول غفلة.
وأما اليوم، فطريقك للشفاء يحتاج إلى خطوات متأنية متوازنة:
- المتابعة الطبية: فلا تتركي الدواء أو تغيريه إلا بإشراف الطبيب؛ فإن العقل أمانة، وحفظه من مقاصد الشرع، واجعلي قرارك الطبي مع طبيبتك، ولو بلطف وسرية، واطلبي من والدتك أن يكون هذا حرصا على سلامتك لا عنادا لها.
- الدعم الأسري: تقربي إلى والدتك بحسن القول، وعبري لها عن امتنانك، وأكثري من برها، فإن دفء رضاها سند كبير في رحلة التعافي.
- الأذكار والعبادات: الزمي أذكار الصباح والمساء، وحافظي على قدر من نوافل الصلاة مع قراءة القرآن، ولو مع مشقة، فالنفس تشفى بالروح كما تشفى بالجسد.
- التدرج والرفق بالنفس: فلا تطلبي الكمال من نفسك دفعة واحدة، بل عالجي ضعفك بخطوات صغيرة، تثبتين بها عاداتك حتى تصير سهلة محببة.
- الصحبة الصالحة: املئي وقتك بمن يذكرك بالله، ويبعث فيك الأمل، ويأخذ بيدك عند الزلل، مع الدعاء الدائم لله عز وجل، وثقي أن العاقبة خير لك إن شاء الله، نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك.
_____________________________
انتهت إجابة الدكتور: أحمد المحمدي المستشار الأسري والتربوي
وتليها إجابة د. محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-
_____________________________
أرحب بك في إسلام ويب، وأقول: كطبيب نفسي؛ حقيقة أسئلتك الشرعية أجد فيها الكثير من الأهمية، وهي تمثل تحديا بالنسبة لي، لكن -إن شاء الله تعالى- وقد قام الدكتور/ أحمد المحمدي بإفادتك والإجابة عليك بما هو مفيد، وأرجو أن تأخذي بما نصحك به.
بصفة عامة، طبعا المرض يعتبر عذرا، لكن لهذه الأعذار أيضا لها ضوابطها، والشيء المهم جدا هو أن الإنسان حين يستدرك ويرجع لأهليته العقلية الكاملة؛ لابد أن يكثر من الاستغفار على ما مضى، وأن يسعى ألا يقع في أي ذنوب بعد ذلك.
بالنسبة للأدوية، ونصيحة الوالدة لك ألا تتناوليها، طبعا الوالدة تريد لك كل الخير، وربما هي تحت انطباع أن هذه الأدوية قد يكون لها أضرار، وذلك حسب ما هو مشاع، وطبعا هذا الكلام ليس صحيحا في جميع الحالات، فمن يحتاج للدواء -خاصة إذا وصف الدواء طبيب ثقة- فيجب على الإنسان أن يتناوله.
بالنسبة لبودرة Ashwagandha: لا أعتقد أنها ستكون بديلا كاملا للدواء، ولذا أنا أطلب منك أن تتكلمي مع والدتك الكريمة بأسلوب طيب فيه كثير من التلطف، اطلبي منها أن تذهب معك إلى الطبيب النفسي، قولي لها مثلا: "يا والدتي، أنا سأتوقف عن الدواء تقديرا وطاعة واحتراما لك، لكن لماذا لا تذهبي معي إلى الطبيب النفسي ونسمع رأيه حول هذا الموضوع؟".
وحين تذهب إلى الطبيب تستمع إليه وتسمع منه مباشرة، وإن شاء الله تعالى ستقتنع بما يقوله لها الطبيب.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.