السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعد التخرج من المرحلة الإعدادية، قررت أن أذهب لمدرسة ثانوية معينة، وهي مدرسة داخلية، وكانت في بلدة أخرى، ومرت 3 سنوات بحلوها ومرها، وقلت -بإذن الله- بعد التخرج من الثانوية أجد كلية قريبة مني، وسأذهب من هنا.
بعد الانتهاء من المرحلة الثانوية، وجدت كلية جيدة -ليست التي كنت أتمناها، ولكن التخصص الذي وجدته ليس سيئا في المجال الطبي-، وللأسف لم تكن قريبة مني، ولكن أقرب كلية لهذه الكلية كانت جامعة البلدة نفسها، ومنذ أن عرفت بأني سأرجع هناك مرة أخرى، وسأقضي سنوات أخرى من عمري في سكن آخر، وأنا أشعر بأني مخنوق، ولا أطيق نفسي، ولا الجامعة.
الأمر الذي يضايقني هو أنني الوحيد من بين زملائي الذي رجع لهذه البلدة مرة أخرى، ومعظم زملائي وجدوا كليات قريبة منهم، وبعضهم وجدوا أماكن كنت أحلم أن ألتحق بها، حتى لو كنت سأجلس في سكن.
حاولت خلال السنة الأولى في الجامعة أن أتخطى الموضوع، وحاولت في أكثر من اتجاه أن أنتقل لمكان آخر، ولم أستطع، وها قد انتهت السنة الأولى، وسأدخل في السنة الثانية، ولا زلت لا أطيق المكان، وأشعر بانقباض في صدري لمجرد ذكر سيرة المكان، ولا أنكر أن هناك شيئا من الغيرة تجاه زملائي، الذين انتقلوا لأماكن كنت أتمنى أن أنتقل إليها.
أحاول دائما أن أشعر والدتي بأن أموري طيبة حتى لا تقلق، ولكني في الواقع لست على ما يرام، وأشعر بأني مخنوق من المكان بشكل عجيب، وبالمعنى الحرفي لا أطيقه، ولا أعرف ماذا أفعل؟ ولا أريد إغضاب ربنا، ولكني لست قادرا على تقبل ذلك، فماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ AAA حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أخي الكريم: أسأل الله أن يفرج همك، ويشرح صدرك، ويعينك على ما تمر به.
أقدر مشاعرك تماما، وأتفهم حجم الضيق الذي تشعر به تجاه الوضع الحالي؛ فمن الطبيعي أن تواجه تحديات في الحياة، ولكن تذكر أن الله سبحانه وتعالى لا يبتلي عبدا إلا لحكمة عظيمة، وأن كل ما يحدث لنا هو جزء من قضاء الله وقدره الذي يحمل الخير، حتى وإن لم ندركه في البداية.
يقول الله تعالى: "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين" (سورة البقرة: 155) فالابتلاء هو اختبار من الله ليرى صبرنا ورضانا، وهو وسيلة لرفع درجاتنا، وتكفير ذنوبنا، ويقول النبي ﷺ: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له" (رواه مسلم).
الرضا لا يعني ألا نشعر بالضيق، بل يعني أن نثق أن الله يختار لنا الأفضل دائما، والتوكل يعني أن تبذل جهدك وتترك النتائج على الله، قال تعالى: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" (سورة الطلاق: 3)، ثق أن الله سيجعل لك مخرجا من هذا الضيق، وقديما قال العرب: "الصبر مفتاح الفرج"، فالصبر هو السلاح الذي يعينك على تجاوز المحن، ومعه يأتي الفرج -بإذن الله-، ومما يؤثر عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا"؛ أي أن المؤمن يثق بحكمة الله، حتى وإن لم ير الحكمة في الحال.
خطوات عملية للتعامل مع الوضع:
- حافظ على الصلاة في وقتها، فهي مصدر للراحة النفسية.
- أكثر من الدعاء، وخصوصا دعاء النبي ﷺ: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال".
- اجعل لك وردا يوميا من القرآن، فالقرآن شفاء للقلوب، قال تعالى: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" (سورة الرعد: 28).
- بدلا من التركيز على السلبيات، حاول أن ترى الإيجابيات في وضعك الحالي.
- تذكر أن وجودك في هذا المكان قد يكون لحكمة لا تدركها الآن، وربما يكون فيه خير عظيم لك في المستقبل.
- الغيرة شعور طبيعي، ولكن لا تدعها تتحول إلى حسد.
- استبدل الغيرة بالدعاء لزملائك بالخير؛ فهذا يطهر القلب، ويزيدك قربا من الله.
- حاول بناء علاقات جديدة في الجامعة، فهذا قد يخفف من شعورك بالوحدة.
- شارك مشاعرك مع شخص تثق به، سواء كان صديقا، أو أحد أفراد العائلة.
- ركز على تخصصك، وحاول أن تتفوق فيه؛ فهذا سيشغلك عن التفكير السلبي.
- ضع خطة واضحة لما تريد تحقيقه خلال سنوات دراستك.
- استغل وقتك في تعلم مهارات جديدة، أو ممارسة هوايات تحبها.
- شارك في أنشطة الجامعة، أو العمل التطوعي؛ فهذا سيمنحك شعورا بالإنجاز.
ما تشعر به قد يكون نتيجة تراكم الضغوط النفسية، ومن المهم أن تعطي نفسك مساحة للتعبير عن مشاعرك.
أخي العزيز: تذكر أن الله معك دائما، وأن هذا الابتلاء مؤقت، اجعل ثقتك بالله كبيرة، واعمل على تحسين وضعك بما تستطيع.
أسأل الله أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، ويبدل ضيقك فرحا وسعادة، وتذكر دائما: "إن مع العسر يسرا" يسر الله أمرك.