توتر مفرط وتعرق وسهو ..هل أعاني مرضاً نفسياً أم مساً؟

0 6

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كنت منذ الصغر أعاني من التعرق في اليدين والقدمين، وكنت كثير السهو، ولكن عند بلوغي سن الثامنة عشرة، أصبح الأمر أكثر حدة؛ حيث بدأ التعرق يشمل جميع أنحاء جسدي، دون وجود سبب واضح لذلك، وقد لاحظت أن التعرق يزداد مع التوتر، والخوف الاجتماعي، وعند تغير الطقس بشكل حاد، سواء إلى حرارة شديدة أو برد قارس، كما ازداد السهو بشكل ملحوظ وكبير.

عندما نلت شهادة البكالوريا بشق الأنفس، لم أتمكن من إكمال دراستي، فجلست في المنزل، وأصبحت انطوائيا، وفي إحدى المرات، كان هناك تلاوة للقرآن تشغل في المنزل، وكانت الآيات تتحدث عن جهنم وعذاب النار، فوضعت رأسي بين يدي وأخذت أبكي وأشعر بالهلع دون أن أدري السبب، حتى أوقفت أختي شريط التلاوة فشعرت بالراحة، وبعد تلك الأيام كنت مصمما على الذهاب إلى الطبيب النفسي بدلا من الراقي.

عند ذهابي إلى الطبيب، وصف لي أدوية مضادة للذهان، وهي: أولانزابين بجرعة 10 ملغ، وكيتيابين بجرعة 150 ملغ، هدأت حالتي من ناحية التفكير المفرط، إذ كنت قد فقدت السيطرة على رأسي بشكل شبه كامل، وكانت الأفكار تعصف بي من كل جانب، لكن مع ذلك شعرت كما لو كنت مخدرا فحسب، وبعد مدة بدأ الطبيب بتقليل الجرعة، حتى توقفت عن تناول الأولانزابين، وأصبحت أتناول 1 ملغ من ريسبيريدون و25 ملغ من كيتيابين.

أنا الآن أخرج مع بعض الأصدقاء، لكنني ما زلت عاجزا عن العمل والتعرف على أشخاص جدد؛ بسبب التوتر المفرط، وما زلت أعاني من التعرق والسهو، والآن أصبحت أشك في أن السبب الرئيسي هو المس، إذ إنني عند سماع القرآن في المنزل أتثاءب كثيرا مع نزول دموع، وعند الرقية يتصلب جسدي، وتؤلمني المفاصل، وأشعر بصداع في وسط الناصية، وهذا الصداع يلازمني في عدة مواقف، حيث يمنعني من التصرف بتلقائية، بل يجعلني متوترا جدا.

ومع أنني أستمع إلى الرقية باستمرار، أجد تحسنا طفيفا حينها، ثم أعود كما كنت، وأظن أن الأدوية أو ما يمكن وصفه بالتخدير، تحول دون استفادتي الكاملة من الرقية، ولا أخفي عليكم سرا، فلم أعد أطيق هذه الأدوية، وقد مر على أول زيارة لي للطبيب ثلاث سنوات وستة أشهر تقريبا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohammed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب.

أيها الفاضل الكريم: قبل أن تصاب بالحالة التي حدثت لك، والتي ظهرت بشكل خوف اجتماعي وقلق وتوتر شديد؛ يظهر لي أن شخصيتك أصلا كان لديها بعض الميول للقلق والتوتر، والبناء النفسي الأولي للشخصية يحدد كثيرا نوعية الأعراض التي سوف تأتي لاحقا.

الطبيب أعطاك بالفعل أدوية مضادة للذهان، وطبعا لا بد أن يكون لديه أسبابه ومبرراته، أنت تحدثت عن خوف اجتماعي وتوتر، لكن قد يكون الأمر أكثر من ذلك، والأفكار التي تحدثت عنها، وكانت مزعجة جدا بالنسبة لك، ربما يكون لها تفسيرات أخرى؛ لذا رأى الطبيب أن الأدوية المضادة للذهان هي الأفضل بالنسبة لك.

أيها الفاضل الكريم: الآن أنت تتناول أدوية بسيطة جدا، وهي: الـ (ريسبيريدون) 1 ملغ، والـ (كويتيابين Quetiapine) 25 ملغ، هذه أدوية بسيطة وأدوية سليمة، وإذا كان بالفعل لديك مخاوف اجتماعية، ربما يتطلب الأمر أن تأخذ أحد الأدوية المضادة للمخاوف، ومن أفضلها عقار يسمى (سيرترالين - Sertraline)، ويسمى تجاريا (زولفـت - Zoloft)، أو (لوسترال Lustral)، وربما يوجد في بلادكم تحت مسمى تجاري آخر. هو دواء رائع جدا لعلاج القلق والمخاوف، لكن لا أريدك أن تتناوله دون أن ترجع للطبيب، وأنت حقيقة لم تراجع طبيبك منذ ثلاث سنوات وستة أشهر، وهذه مدة طويلة -أيها الفاضل الكريم-.

هذه هي الأسس الجوهرية للعلاج الطبي النفسي الصحيح: التدخل العلاجي المبكر، ومراجعة الطبيب، والمتابعة، فأنا حقيقة أحبذ أن ترجع لطبيبك، وربما يتم إيقافك عن أحد الأدوية، مثلا الكويتيابين قد لا يكون له داع، وقد تستمر فقط على الريسبيريدون، ومعه الدواء الذي اقترحته لك، فإذا: أرجو أن تراجع الطبيب.

موضوع المس: نحن نؤمن بوجود المس، ونؤمن بوجود العين والسحر وكل ذلك، لكن في ذات الوقت نؤمن أن الله خير حافظا، وأن المسلم مكرم، وأن هذه الأمراض في جملتها اتضح الآن أنها تتعلق بشخصية الإنسان، وكذلك بكيمياء الدماغ، ونحن نؤمن بالمنهج العلاجي المتكامل، وهو أن يعالج الإنسان نفسه دوائيا ونفسيا واجتماعيا ودينيا، نعم، لا تناقض أبدا بين هذه المكونات العلاجية.

فيا أخي الكريم: أرجو أن تتناول الدواء حسب ما يصفه لك الطبيب، وعليك بالرقية الشرعية، والاعتقاد بأن الأدوية تعطل من فعالية الرقية الشرعية، أنا أسمع هذا الكلام منذ ثلاثين عاما، لكن صراحة ليس عليه دليل أبدا، على العكس تماما الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أحق الناس بها، فأرجو أن تجمع بين المكونات العلاجية، وإن شاء الله تعالى فرصتك في الشفاء التام فرصة كبيرة جدا من وجهة نظري.

أنت أنجزت البكالوريوس، حتى وإن كان ذلك بعد مشقة، لكن في نهاية الأمر وصلت إلى هدفك التعليمي، وأنا حقيقة أطلب منك بل أرجوك أن تبحث عن عمل؛ لأن العلاج بالعمل يرتقي جدا بالصحة النفسية، واجعل لحياتك أهدافا، واحرص على واجباتك الدينية وواجباتك الاجتماعية، برك بوالديك يجب أن يكون على رأس الأمر، ويجب أن تكون عضوا فعالا في أسرتك، تجنب السهر، نظم غذاءك، مارس الرياضة؛ هذه كلها من الأسس التطويرية للصحة النفسية والجسدية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
——————————————————
انتهت إجابة: د.محمد عبدالعليم. … استشاري الطب النفسي وطب الإدمان.

تليها إجابة: د. أحمد سعيد الفودعي … المستشار التربوي.
———————————————————

مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

أولا: نسأل الله تعالى أن يمن عليك بالعافية وعاجل الشفاء، وأن يصرف عنك كل سوء، ونسأل الله تعالى أن يكتب لك أجر ما أصابك، فإن المرض كفارة للذنوب، ورفعة للدرجات، فنسأل الله تعالى ألا يحرمك الأجر.

وقد أحسنت -أيها الحبيب- حين توجهت إلى الأطباء أخذا بالأسباب؛ فإن الله تعالى شرع لنا أن نأخذ بأسباب النتائج التي نريدها ونحبها، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، فتداووا عباد الله".

وقد تبين من خلال استعمالك للأدوية، واتباع نصائح الطبيب أن حالتك تتحسن عندما تتناول هذه الأدوية؛ وهذا يؤكد أن مرضك مرض عضوي، نسأل الله تعالى لك العافية والشفاء.

وينبغي -أيها الحبيب- أن تحذر من التعلقات والتفسيرات الخاطئة لما يصيبك، وألا تبالغ في عزو الأشياء إلى غير مصادرها الصحيحة؛ فإن الأوهام التي تصيب المريض قد تزيده ضعفا إلى ضعفه، ومرضا إلى مرضه، وقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام ابن ماجه -رحمه الله- من حديث عمران بن حصين -رضي الله تعالى عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا في يده حلقة من صفر –يعني خاتما– فقال له: ما هذه الحلقة؟ قال: هذه من الواهنة -أي مرض يسمى الواهنة يصيب اليد، فعلق عليه هذه الحلقة لتحميه من هذا المرض-، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهنا".

قال العلماء: لا تزيدك إلا ضعفا في الإيمان، حيث تركت التوكل على الله والاعتماد عليه في شفائك، فهو اتخذ هذه الحلقة أو هذا الخاتم ليعصمه من الألم، فأخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذا التصرف وهذا التصور لا يزيده إلا مرضا.

فلا تسمح للوساوس والأفكار والأوهام أن تذهب بك بعيدا عن حالتك الصحيحة، والتشخيص الدقيق لما أنت فيه، ولا تيأس من رحمة الله تعالى، والشفاء من مرضك، فإن الله تعالى يبتلي الإنسان زمنا ثم يكشف ما به من الضر، وهذا قد وقع لخيرة خلق الله تعالى، وأنت تقرأ في القرآن عن ابتلاء الأنبياء بالأوجاع والآلام زمنا، ثم شفاهم الله.

فاستمر على الأسباب المشروعة، وابتعد عن الأوهام في تشخيص حالتك؛ فإنها تضعف نفسك وتدخلك في دائرة من الكآبة.

أما الرقية الشرعية؛ فإنها نافعة -بإذن الله-، إذا كانت سليمة صحيحة، وهي جملة من الأدعية والأذكار يتحصن بها الإنسان، سواء كان مصابا بشيء أم لا، وقد قال العلماء: إنها تنفع مما نزل بالإنسان ومما لم ينزل به.

فننصحك ونوصيك بدوام استعمال الرقية الشرعية، وأنت أفضل من يرقيك، فرقيتك لنفسك أقرب للقبول؛ لأنك صاحب الحاجة والاضطرار، والدعاء إنما يقبله الله تعالى من القلب المضطر المعتقد يقينا أن الله تعالى قادر على أن يجيبه، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة".

فننصحك باستعمال الرقية الشرعية، سواء رقيت نفسك بنفسك –وهذا أفضل–، فتقرأ على نفسك سورة الفاتحة، وسورة البقرة كلها إن قدرت، أو آية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، إن لم تقدر على قراءة السورة كلها، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وتكرر هذا وتصبر عليه، وتقرأه في ماء وتشرب منه وتغتسل به، فكل هذا نافع -بإذن الله تعالى-.

ولو استعنت بمن يحسن الرقية الشرعية من الصالحين والأفاضل، الذين لا يتبعون منهج الشعوذة والدجل والكذب، فهذا جائز أيضا، لا حرج عليك فيه.

نسأل الله تعالى أن يمن عليك بعاجل العافية والشفاء.

مواد ذات صلة

الاستشارات