السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا فتاة عزباء عمري 35 سنة، في رمضان الماضي قررت أن ألح في الدعاء، فقمت كل ليلة أدعو الله وأرجوه أن يرزقني الزوج الصالح، وكذلك في يوم عرفة، حيث كررت الدعاء أكثر من مرة بإلحاح ويقين، وحصل أنه بعد عيد الأضحى مباشرة تقدم لخطبتي شاب من الأقارب، فيه من الصفات التي أتمناها الكثير، وكأنه جاء مطابقا للدعاء الذي كررته طوال الأيام السابقة، فرحت كثيرا أن الله قد أستجاب دعائي، إلا إن الزواج لم يتم لسبب لا أعلمه.
منذ ذلك اليوم انقلب حالي، وشعرت أن جميع الأبواب مغلقة في وجهي، خاصة مع تقدمي في العمر، وقلة الفرص المتاحة أمامي، وأنا حاليا في حالة انتكاس نفسي، أدعو الله ليلا ونهارا أن يفرج همي، لكن حالي لا يتحسن، وأشعر بحزن شديد؛ لفوات هذه الفرصة، ورغم يقيني أنه ليس بخير لي، إلا إنني في حالة نفسية صعبة جدا، وأشعر بفقدان الأمل والشغف والسعادة، ولا أعلم ماذا أفعل؟
فهل من نصيحة تساعدني على تجاوز هذه المحنة، والعودة لحياتي الطبيعية والنفسية الجيدة نوعا ما، والتي كانت من قبل؟ علما بأنني قد فقدت وظيفتي منذ عامين.
أنا حاليا بلا زوج وبلا عمل، وأشعر أني بلا فائدة أو هدف في الحياة، وغير قادرة على التأقلم مع وضعي، أحاول الخروج من البيت، والالتقاء بالأصدقاء، والقيام بالأنشطة التي يمكن أن تغير نفسيتي للأفضل، إلا إني محطمة فعليا من الداخل، وأشعر بانكسار كبير في القلب، ولا أدري ماذا أفعل؟
علما أن نفسيتي قبل أن يتقدم لي كانت جيدة، وأفضل بكثير، وكنت متأقلمة مع وضعي بشكل كبير، وأشعر بالطمأنينة والرضا، لكن عدم إتمام الزواج هو الذي غير حالي، وأوصلني لهذه الدرجة من الضيق والانكسار!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ورد البنفسج حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يحفظك من كل مكروه وسوء.
أختي الكريمة، اعلمي أن الابتلاء سنة من سنن الله في عباده، وهو علامة محبة لا علامة إهمال، ألم تسمعي قول النبي ﷺ: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل"؟ فالابتلاء كالامتحان، لا يعطى إلا لمن يرجى نجاحه، ولا يرفع إلا بمقدار ما يحتمل قلب صاحبه، والله حين يبتلي عبده، لا يريد إذلاله ولا تعذيبه، بل يطهره من أدران الذنوب، ويرفعه في الدرجات، ويسمعه دعاء لم يكن ليخرج من قلبه إلا في ساعة الشدة، فالمحنة في حقيقتها منحة، والضيق الذي يطرق على القلب أبواب الرجاء، هو في الحقيقة باب للصفاء والقرب.
ثم اعلمي أننا أحيانا ما نغرق في حزن بسبب فقدان فرصة، أو تأخر رزق، لنتعامى عن نعم عظيمة بين أيدينا، لكن تغافلنا عنها، فأنت -أختنا- لو تأملت حالك الآن مقارنة بغيرك؛ لعلمت كم أنت في عافية، فهناك فتاة في عمرك تغسل كليتيها كل يومين، نصف حياتها بين أجهزة الغسيل، ونصفها الآخر بين تعب وانتظار، وكل ما ترجوه أن يمر عليها يوم بلا تعب، أنت بالنسبة لها في عافية، وهناك مريضة السرطان التي تصارع الألم في كل لحظة -عافانا الله وإياكم من كل داء-، أنتما بالنسبة لها في عافية، فهي لا تملك أن تنام هادئة، ولا أن تصحو بلا ألم، وهناك مريضة أخرى لا تجد ثمن الدواء، ولا تستطيع أن تدخل باب العلاج أصلا، هي ترى كل من يملك الدواء في نعيم لا يقدر بثمن، كل هذا -أختنا الفاضلة- واقع بين الناس، وما خلت الأرض يوما من مبتلى، وما بين يديك من سلامة في الجسد، ومن قدرة على الحركة، ومن عقل يستوعب ويرجو ويخطط، هو في الحقيقة من كنوز العافية.
أختنا الكريمة: أحيانا يحتاج القلب أن يغير زاوية النظر: بدلا من أن يرى الباب المغلق، ينظر إلى النوافذ المفتوحة، وبدلا من أن يعد ما فاته، يعدد ما عنده، ومن عرف أن نعم الله عليه لا تحصى، علم أن الابتلاء مهما ثقل، يبقى في كفة أخف من نعم لا تقدر.
أما الدعاء فله فضل عند الله، وهو من أصفى أبواب التواصل وأجلها، ونحن نحتاج إلى فهم الدعاء جيدا، ودعينا نتحدث عنه في النقاط التالية:
1- الدعاء لا يضيع، هو عند الله مقبول لا يضيع، فالله سميع بصير، يجيب الدعاء بقدرته وحكمته، وقد أخبرنا النبي ﷺ عن حقيقة إجابة الله للداعي بقوله في الحديث المشهور:"ما من مسلم يدعو الله بدعاء ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم؛ إلا أعطاه الله به إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخر له مثلها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها"، فالدعاء لا يذهب هباء قط.
2- العبد محدود الإدراك، لا يرى ما وراء المشهد، ولا يعلم حكم الله في الأمور، لذلك قد يرفع الله دعاء بقبول لا نراه عاجلا، أو يصرف عنه شيئا كنا نظنه خيرا، لكنه شر لنا، قال تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"، فتأملي في هذه الكلمة: فقد يكون التأخير رحمة، والمنع نعمة مبدلة عن شر لا تبصرينه الآن، ومن هنا ينبع الصبر والرضا؛ لأن الخير عند الله أوسع من تصورنا، ولعل الله قد صرف عنك هذا القريب؛ لعلمه أن بلاء أشد قد يقع عليك، أو لعل الله ادخر لك ما هو خير لك، فأملي في الله الخير
وهنا لا بد أن نسأل: كيف نحسن الظن بالدعاء عمليا؟ والجواب في السطور التالية:
- استحضار الإيمان واليقين: اجعلي الدعاء مع يقين بالاستجابة، لا بمعرفة هيئة الإجابة، بل باليقين أن الله سميع مجيب.
- النية والعمل مع الدعاء: الدعاء لا يلغي الأسباب؛ فاجعلي الدعاء مصحوبا بالسعي والعمل، مثل: تقديم السيرة، المشاركة في الأسباب الاجتماعية، طلب العلم، مراجعة الطبيب أو مستشار العمل أو غيره.
-آداب الدعاء: ابدئي بحمد الله والثناء عليه، وصلي على النبي ﷺ، ثم اطلبي ما تشائين بخلق وأدب، واختمي بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ هذا مما ورد عن الآداب المستحسنة للدعاء.
-استحضار أوقات الاستجابة: اجتهدي في أوقات فضلى: بعد الصلاة، في جوف الليل، بين الأذان والإقامة، يوم الجمعة، يوم عرفة، رمضان؛ فهذا من السنة ويقوي النفس.
-القبول بما يقدر الله: أدخلي قلبك في سعة التسليم: إن لم يكن ما تريدينه خيرا لك الآن، فادعي الله أن يمنحك الخير حيث يكون.
- كثرة الاستغفار والصدقة، وقيام الليل وقراءة القرآن تفتح أبواب الرحمة، وتكون سببا في قبول الدعاء بطرق لا تحصى.
نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.