السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عمري 42 سنة، متزوجة، ولدي ثلاثة أطفال -والحمد لله-، وأنا مسلمة تقية -والحمد لله-.
مشكلتي أنني أقع في اكتئاب وندم كبير وحزن شديد، ولست راضية عن حياتي، وعن زواجي، وعن أولادي، مشكلتي أنني أندم على كل اختيارات حياتي.
أظن أن المشكلة بدأت عندما جاء زوجي ليخطبني، وأبي لم يكن يريده، لأنه كان يحبني كثيرا، وكان يريد أن أكمل دراستي الجامعية، بينما زوجي كان تاجرا وليس له أي شهادة جامعية، إذ قال لي أبي: إن مستواه الاجتماعي والثقافي لا يناسبني، وعائلته لا تناسبني، ولم يكن يريد لي هذا الزواج، وكان يريد أن أكمل دراستي.
رغم ذلك أصررت وألححت وتمسكت بقرار الزواج من زوجي، (مع العلم أن زوجي رجل ذو خلق ودين ومن عائلة محترمة)، وفي يوم وقع شجار بسيط مع أبي، لكن رغم ذلك رضي بزوجي وأقام لي عرسا كبيرا.
أنا على اتصال دائم بأبي -والحمد لله-، وهو يحبني ويحب أطفالي، لكن في داخلي أقول دائما إنني أخطأت، وعندما تكون لدي مشكلة مع زوجي أتذكر دائما أن أبي لم يكن يريده.
الآن: ابني لم يحصل على شهادة البكالوريا، ولم ينجح في الدراسة، رغم أنني أفعل كل شيء لمساعدته، وهذا الفشل يذكرني بفشلي، وأقول: كان أبي على حق.
أنا نادمة جدا، وأشعر أنني فشلت في حياتي؛ لأنني لم أكمل دراستي، ولم أختر الزوج الذي يريده أبي، ولهذا أنا تعيسة.
أنا على اتصال دائم بأبي، وأحبه وهو يحبني، وعلاقتي معه في أحسن حال، وهو متفاهم مع زوجي، ويحب زوجي ويحب أولادي، لكن من الأعماق أشعر بالحزن وعدم الراحة بشأن هذا الموضوع، وكلما حدثت مشكلة في حياتي أقول: السبب هو قراري، لكنني لم أسامح نفسي بعد.
ماذا أفعل؟ هل أكلم أبي؟ هل هذا عقاب من الله لي؟ هل يعد عقوقا للوالدين؟
أنا في حيرة وندم، وأقول: إن الله يعذبني على ذنوبي واختياراتي، أرشدوني، هداكم الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نادية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختي العزيزة- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونشكر لك حرصك على بر أبيك.
أما عن زواجك -أختنا الكريمة- بهذا الرجل، فأولا نقول: هناك غموض في السؤال، لم نفهم المقصود من قولك "أصررت وألححت على أن أتزوجه"، هل زوجك أبوك، لكن بإصرارك وإلحاحك عليه، أم أنك زوجت نفسك بنفسك، فرجعت إلى القاضي الذي يقضي بين المسلمين، أو الجهة التي تفصل في النزاعات بين المسلمين فزوجوك بهذا الرجل؟ فهذه الاحتمالات كلها تؤثر في الجواب، لكننا سنفترض أنك تزوجت هذا الرجل، وكان الذي تولى عقد الزواج هو أبوك، لكن تحت إصرار وإلحاح منك أنت، وأن الوالد لم يكن راضيا بهذا الزواج، وإذا كان الأمر هكذا فنقول: إنك بخير، الحمد لله رب العالمين، وأمورك في عافية.
ليس من شرط الزواج أن يتكافأ الرجل مع المرأة في المستوى الثقافي والتعليمي، وأنت قد وفقت -ولله الحمد- بزوج وصفته أنت في سؤالك بأنه ذو خلق ودين، ومن عائلة محترمة، وهذه الصفات تكفي في اختيار الزوج، فقرارك لم يكن مخطئا من جميع الجوانب، وإن كان رأي أبيك في أول الأمر يبدو وجيها، ولكن قد بين الواقع أن هذا الزواج ناجح، وربما خير لك وأنفع من غيره من الرجال.
فلا ينبغي أبدا أن تتركي مجالا للاكتئاب أو الحزن ليتسلل إلى قلبك، فقد وفقت، وكتب الله تعالى لك زواجا ناجحا، ورزقت الأولاد والذرية، نسأل الله تعالى أن يصلح لك ذريتك.
وأما نجاح الولد من عدمه في الدراسة؛ فلا ينبغي أن تحملي هذا لقرار زواجك، فنجاح الأولاد وفشلهم له أسبابه، ينبغي أن تحاولي معرفة هذه الأسباب وجوانب الضعف في شخصية أبنائك، وتحاولي أن توجدي البيئة التي تحثهم وتشجعهم على الدراسة والإنجاز، وأن تتفاهمي مع أبيهم، وتحاولي إقناعه بأهمية دراسة الأبناء وتعلمهم ما ينفعهم، ليكون مشجعا لهم ومحفزا لهم على الدراسة.
وليس من شرط نجاح الأبناء أن يكون الأب دارسا ومتخرجا، والواقع خير دليل على ذلك، فلا ينبغي أبدا أن تكوني أسيرة لهذه الأوهام، وتقعي في هذه الأحزان، وهي أوهام كاذبة، لا رصيد لها من الواقع.
ونؤكد عليك -أيتها الأخت العزيزة- أن تعرفي نعمة الله تعالى عليك بتوفيقك بالزواج، وأيضا ما من الله تعالى به عليك من التوافق الأسري، وما حصل من محبة متبادلة بين زوجك وأبيك؛ فهذا كله يؤكد أن هذا الزواج ناجح لا ينقصه شيء.
وإذا حصلت لك مشكلات فلا ينبغي أن تعزيها إلى هذا الاحتمال، أن هذا كله بسبب أن الوالد لم يكن راضيا بالزواج، فهذه أوهام أيضا ليس من الشرع ما يدل عليها؛ لأنك لم تفعلي حراما، وليس من الواقع أيضا ما يؤكدها ويقويها.
احرصي كل الحرص على بر والدك والإحسان إليه، وجهي اهتمامك نحو تربية أبنائك والاعتناء بإقناعهم بأهمية الدراسة، ومحاولة ربط أسرتك بأسر فيها أبناء يتعلمون وينجحون وينافسون، حاولي أن تكسبي زوجك لصف التعليم وأهميته؛ ليكون مشجعا للأبناء.
خذي بهذه الأسباب لتفوق أبنائك ونجاحهم في دراستهم، واحرصي على إصلاح دينهم كما تحرصين على إصلاح دنياهم.
ثم اعلمي -أختنا الكريمة- أن كل ما نلاقيه في هذه الحياة من نعم أو مصائب، كل ذلك بتقدير الله تعالى السابق، فالله تعالى قد قدر مقادير الخلائق قبل أن نخرج إلى هذه الدنيا، كما قال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وقد واسانا الله تعالى في كتابه الكريم بهذه الحقيقة، فقال جل شأنه: ﴿ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم﴾ [الحديد: 22-23].
فأخبرنا الله تعالى أن كل شيء مكتوب قبل أن نخرج إلى هذه الدنيا، فإذا وفقنا إلى شيء مما نفرح به ونحبه، فلا ينبغي لنا أن ننسى فضل الله تعالى، فنبطر، بل ينبغي أن نشكر، وإذا أصابنا شيء مما نكرهه، فلا ينبغي أن نحزن ونقنط ويشتد أسفنا عليه، حين نؤمن أن الله تعالى قد كتب هذا قبل أن نخرج إلى الدنيا، وحينها ندرك أنه لم يكن بكسبنا وحدنا.
فالإيمان بعقيدة القضاء والقدر على هذا النحو، من شأنه أن يخفف عن الإنسان المؤمن ما قد يجده في نفسه من مرارات وأحزان، أو ندم على شيء فات، أو نحو ذلك، والحقيقة بخلاف ذلك تماما.
نحن مأمورون -أيتها الأخت العزيزة- بالأخذ بالأسباب للأشياء التي نحبها ونتمناها، ثم نفوض الأمور إلى الله تعالى، فما يختاره الله تعالى هو الخير.
ونؤكد ثانية في آخر الجواب أن الله -سبحانه وتعالى- قد قدر لك خيرا ويسر لك أمرا لم ييسره لنساء كثيرات غيرك، يتمنين ما تحقق في حياتك أنت، فينبغي لك أن تتفقدي مواقع نعم الله تعالى عليك، وتعرفي أن نعمة الزواج، ونعمة كون الزوج رجلا صالحا مهذبا؛ قائما بحقوق أسرته، ونعمة الأولاد، ونعمة العافية لك ولأولادك ولزوجك، كل هذه نعم بعضها فوق بعض، ينبغي أن تنظري إليها، لتحسي أنك في خير كثير، وأن الله تعالى قد أعطاك ومنحك ما لم يعطه لآخرين، يتمنون أن يكونوا في مثل حالك أنت، واشتغالك بهذا النوع من التفكير، يطرد عنك الحزن والندم على ما لم تبلغيه، فليس كل ما يتمنى المرء يدركه.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا وإياك لكل خير.