السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا إنسان لدي ذنوب كثيرة لم أتب منها، وعندي سؤال: أنا أشعر بأنني قد مت، وتحقق نزول الموت بي، فهل هذا ممكن مع العلم أنني لا أزال على قيد الحياة؟ علما أنني أسمع الأموات وهم يتكلمون، وأحلم برؤى من عند الله -عز وجل-، وكلما حاولت التوبة أشعر بعدم قبولها، هل هذه الحالة ممكنة؟
وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ منير حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى أن يمن عليك بالتوفيق للتوبة ويعينك عليها.
وقد أحسنت -أيها الحبيب- حين حاولت التوبة وحدثت نفسك بها، وهذه أولى أمارات الخير ودلائل التوفيق، وأن الله تعالى يريد بك خيرا، وما دمت تحدث نفسك بالخير وفعله، وتحث نفسك عليه، فإنك -إن شاء الله- صائر إلى خير، فنسأل الله تعالى لك مزيدا من الإعانة والتوفيق، وأن يلهمك رشدك ويقيك شر نفسك.
والتوبة -أيها الحبيب- واجبة علينا جميعا، فقد فرضها الله تعالى على عباده أجمعين، فقال سبحانه وتعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور:31]، وهذا الواجب تجب المبادرة به، ولا يجوز تأخيره والتسويف به، والمماطلة في القيام به؛ فإن التسويف والتأخير من جند الشيطان ومن حيله الخبيثة التي يستدرج بها الإنسان ليؤخره عما ينفعه.
والرسول ﷺ قد أوصانا بوصية جامعة مفيدة، فقال: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وأول ما ينفعك -أيها الحبيب- هو إصلاح العلاقة بينك وبين الله تعالى، لا تظن أبدا أنك عاجز عن التوبة، فإن التوبة أمر مستطاع مقدور عليه، ولو كان غير مقدور عليه ما كان الله تعالى كلفنا به، فإن الله تعالى لا يكلفنا إلا ما هو داخل في قدرتنا وما تشمله استطاعتنا، لأنه -سبحانه وتعالى- يقول عن نفسه: {لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} [الطلاق:7]، ويقول: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة:286].
حاول أخذ نفسك بالعزم والحزم، وتوجه إلى التوبة، ومما يعينك على التوبة: أن تدرك آثار الذنوب والمعاصي، وتكون موقنا بعواقبها ونهايتها؛ فإن الذنب له رب يطلبه ويأخذ به، وينبغي لقلب الإنسان المؤمن أن يكون معتقدا هذه العقيدة، فإن ربك بالمرصاد كما أخبر عن نفسه في كتابه الكريم، وكلنا صائرون إلى الحساب والجزاء، وسنقف بين يديه -سبحانه وتعالى- لنجزى بأعمالنا.
فإذا تفكر الإنسان بعواقب الذنوب ونهاياتها، وتفكر في المقابل بنهاية الطاعات وحسن الثواب الذي أعده الله للمؤمنين؛ فإن هذا التفكر والتذكر يبعثه إلى التوبة، ويقوي عزمه عليها.
فنصيحتنا لك أن تكثر من سماع المواعظ التي تذكرك بالجنة والنار، وتذكرك بلقاء الله والوقوف بين يديه، وتذكرك بعذاب القبر وما فيه من أهوال وشدائد؛ فهذه من شأنها أن توقظ قلبك وتحيي فيه الرغبة إلى التوبة، فتسارع إليها دون تسويف أو مماطلة.
تب من الذنوب ولو بعضها، خفف عن نفسك الأثقال والآثام، صحيح أن التوبة واجبة من جميع الذنوب، ولكن إذا ثقلت عليك في أول الطريق فحاول أن تأخذها بالتدريج، تب من بعض ذنوبك أولا بأول، واسأل ربك بأن يعينك على تحقيق التوبة الشاملة الكاملة.
فالتوبة -أيها الحبيب- تنقلك إلى حال أخرى وتغيرك شخصا آخر، وقد قال الرسول ﷺ: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والاشتغال بها وبتذكر الآخرة هو الاشتغال النافع الذي يعود عليك بمصالح الدنيا ومنافع الآخرة ولذاتها.
أما الاشتغال بغير ذلك من الأفكار أو الأوهام؛ فإنه لا يجلب لك نفعا، ومن هذا ما تتوقعه أو تتخيله من أنك ميت وأنك تسمع الأموات؛ فإن الأحياء لا يسمعون الأموات، إنما وردت الأحاديث بأن الأموات يسمعون الأحياء، ولو كنا نسمع الأموات ونعرف ما هم عليه لتغيرت أحوالنا لإدراكنا ما الذي ينتظرنا في عذاب القبر أو نعيمه.
فبادر -أيها الحبيب- إلى التوبة إلى الله تعالى، وخير ما نوصيك به الاستعانة بالأصحاب والجلساء، فاختر لنفسك رفقاء صالحين وأصدقاء طيبين، تعرف عليهم في بيوت الله تعالى، ومن خلال مواقعهم على شبكات الإنترنت وأدوات التواصل، تعرف على الصالحين وداوم على التواصل معهم، واستعن بهم -بإذن الله تعالى- على الثبات على طريق التوبة، فالصاحب ساحب، والإنسان مدني بطبعه يتأثر بما حوله.
أخي الكريم، إذا كثرت عليك هذه الأوهام عليك بمراجعة أخصائي نفسي، وقد بينا لك أن الأحياء لا يسمعون الأموات؛ فلتعمل بالنصائح التي ذكرناها، وإذا أتعبتك هذه التوهمات؛ فهنا قد يكون الأمر له علاقة بحالة نفسية؛ وعليك حينها مراجعة المختص النفسي.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقك لكل خير.