السؤال
أرجو منك الرد، فأنا في موقف صعب وأحتاج إلى المساعدة.
أنا أحببت شابا منذ أربع سنوات، ولم أتواصل معه طوال هذه الفترة، ولا هو تواصل معي، لكنه أحبني أيضا، وانتظر الوقت المناسب ليتقدم لي، وبالفعل تقدم، لكن والدي رفضه رفضا قاطعا! هو أخو صديقتي، وسبب رفض والدي يعود إلى مشكلة سابقة حدثت بينه وبين عم الشاب، ويقول إنهم "أناس غير جيدين"، بسبب جد الشاب، رغم أن الجد متوفى منذ أكثر من أربعين سنة.
هناك من يقول إن سمعتهم سيئة، لكن هذا مجرد كلام غير مؤكد، فأنا تعاملت معهم شخصيا، ووجدتهم أناسا محترمين، كرماء، ويصلون، ووالدي سأل عنهم، وقال إن الشاب نفسه جيد، وكذلك والده، لكنه يقول إنهم "أناس جيدون لأنفسهم، وليس لنا"، ويشكك في مصدر أموالهم، ويقول إن عليها علامة استفهام.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ملك حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الأخت السائلة: حياك الله وشرح صدرك، وأصلح شأنك، ونسأل الله تعالى أن يختار لك الخير حيث كان ويرضيك به.
ما تمرين به ليس سهلا، فالحب والمشاعر إذا ارتبطت بأمل الزواج؛ يصبح الأمر أعمق وأشد على النفس، ثم تأتي عقبه الرفض من الوالد فتزداد الحيرة، أقدر ألمك واحتياجك للنصيحة، وأرجو أن تطمئني أن الله تعالى لا يختار لعبده إلا الخير؛ ولو خالف هوى نفسه، قال تعالى: ﴿وعسىٰ أن تكرهوا۟ شيـۭٔا وهو خيرۭ لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا۟ شيـۭٔا وهو شرۭ لكم ۗ وٱلله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾ [البقرة:216].
اسمحي لي أن أوضح لك بعض النقاط التي تساعدك على التعامل مع الموقف: أولا: بر الوالدين مقدم على رغبات القلب: فبر الوالدين واجب شرعي عظيم، ولا يجوز التمادي في مخالفتهم خاصة في أمر الزواج ما لم يكن رفضهم لغير سبب معتبر شرعا، وغالبا لا ندرك كثيرا من المعاني التي يدركها آباؤنا إلا بعد فترة من الزمن، وقد استهنا بنصحهم وتوجيههم، تذكري أن النبي ﷺ يقول: (رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد) رواه الترمذي.
ثانيا: التحقق من الأسباب: والدك لم يطعن في دين الشاب ولا خلقه، بل قال إنه "جيد"، لكن لديه مخاوف من عائلته وأموالهم وسمعتهم، وهذا سبب يحتاج إلى نظر، فإن كان رفضه لمجرد خصومة قديمة بينه وبين عم الشاب، فهذه خصومة لا ذنب للشاب فيها، ويمكن التوسط لإقناع الوالد والحديث معه بهدوء، أو توسيط من يتكلم معه من قريب يثق برأيه، وأما إن كانت هناك شبهات قوية تتعلق بالسمعة أو المال، فينبغي التثبت من صحتها؛ لأن الزواج لا يربط بين شخصين فقط، بل بين عائلتين، وهو أمر لا شك أن والدك يحسب له ألف حساب.
ثالثا: واجبك الآن أن تحاوري والدك بهدوء، اختاري وقتا مناسبا، واطلبي منه أن يشرح لك بالتفصيل سبب رفضه، واسأليه إن كان يقبل أن يستشير شخصا يثق به؛ ليتحقق من الموضوع، حاولي أن تفعلي دور الوالدة في الحوار والحديث لتستفهمي ما يذهب حيرتك، ويطمئن قلبك.
رابعا: الاستعانة بالوسطاء: يمكنك أن تطلبي من والدتك أو عمك أو شخص قريب حكيم أن يتحدث مع والدك، ويوضح له رأيه في الشاب وأهله.
خامسا: الاستخارة: أكثري من صلاة الاستخارة والدعاء أن يختار الله تعالى لك الأصلح لدينك ودنياك، فإن كان في الزواج خير يسره الله تعالى، وإن لم يكن صرفه عنك برفق ورضا نفس وقلب.
سادسا: التروي وعدم التعلق الزائد: فالحب قبل الزواج قد يعمي البصيرة أحيانا، لذلك من الحكمة أن تنظري للأمر بعين العقل، لا القلب فقط، فالحياة الزوجية تحتاج أكثر من الحب، تحتاج الاستقرار، القبول الأسري، والتوافق الاجتماعي، لذا تعاملي مع هذه المشاعر بتوازن، واضبطيها بمعيار الشرع.
سابعا: أقترح عليك بعض البدائل والحلول العملية:
- إن رأيت تمسك والدك برأيه رغم محاولات الإقناع، فاستعيني بالله تعالى على الرضا بقضائه، وحافظي على قلبك من التعلق الزائد حتى لا تتألمي أكثر، وثقي سيعوضك الرحمن خيرا ببرك بوالدك، وسماعك كلامه.
- أشغلي نفسك بطاعة الله تعالى، والاهتمام بدراستك ومستقبلك، فملء الفراغ النفسي يخفف من حدة الحزن، وتذكري أن الله تعالى قادر أن يعوضك خيرا منه، إن لم يكن مقدرا لك، قال تعالى: ﴿إن يكونوا۟ فقرآء يغنهم ٱلله من فضلهۦ﴾.
أختي الكريمة: الحزم في مثل هذه القرارات يحمي قلبك ودينك، فإما أن ييسر الله تعالى الأمر برضا والدك واطمئنانك، أو يصرفه عنك ليعطيك ما هو خير لك، وإن صبرت واحتسبت أبدلك الله تعالى فرجا وسعادة، ولا تفكري أن تقدمي على شيء دون رضا الوالدين، فربما محقت بركة التوفيق والسداد بذلك، فطيبي نفسا.
أسأل المولى أن يلهمك الصواب، ويختار لك الخير حيثما كنت.