السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل كل شيء، أرجو منكم الرد على سؤالي بسرعة؛ لأنني أعاني بشدة من وسواس الكفر، وأرجو أن توضحوا لي كيف أتخلص منه، جزاكم الله خيرا مقدما.
في البداية، كنت أفكر في إحدى العادات التي يقوم بها أحد أفراد عائلتي، وهي المبالغة في مراقبة الأشياء، وهي صفة أذمها، ثم جاءتني فكرة وسواسية، تتكرر دائما وتوقعني في الكفر، تقول: "لو كانت هذه الصفة سنة، هل كنت ستذمينها وتقولين إنها غير صحيحة؟"
فأجبت: "نعم؛ لأنها في الواقع صفة مبالغ فيها وتزعجني"، ثم بعد ذلك، استغفرت الله وتبت وقلت الشهادة.
وسؤالي: هل ما صدر مني يعد ردة أو انتقاصا من شرع الله وسنة نبيه؟ وهل يعتبر من سب الله أو الرسول؛ لأنني قلت إن ذلك الفعل خاطئ؟ وماذا يجب علي فعله للتوبة؟
وفي موقف آخر، ضحكت على لقب عائلي بشع، فجاءتني نفس الفكرة الوسواسية: "لو كانت هذه الألقاب للأنبياء، هل كنت ستضحكين على من يحملها؟" ورغم علمي بأن هذا غير ممكن، وأن الأنبياء هم أكمل الخلق، إلا إن الوسواس يجعلني أندمج مع هذه الأفكار بشكل فظيع.
حاولت مقاومة الفكرة، لكنني قلت: "ربما كنت سأضحك على هذه الألقاب، لكن ليس لأنها تخص الأنبياء، بل لأنها تخص أصحابها."، فهل هذا يعد كفرا أو استهزاء بالأنبياء أو إهانة لهم ؟ أعلم أن هذه الأمور غريبة، لكن أرجو منكم أن تفترضوا هذه الحالات بكل بشاعتها، وتجيبوني إجابة دقيقة من كل النواحي.
ومرة أخرى، ماذا ينبغي لي فعله للتوبة من هذا الأمر؟
جزاكم الله كل خير، وأرجو الرد بسرعة، لأنني أشعر أن ديني يضيع مني مع كل حركة، وأظن أنني أكفر وأرتد، وأفكر بشكل غير معقول.
لن أنساكم من دعواتي، فإجابتكم ستكون فرجا من الله بسببكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك - ابنتنا الكريمة - في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى أن يعجل لك بالعافية والشفاء، وأن يصرف عنك شر هذه الوساوس.
ونحب أولا –ابنتنا العزيزة– أن نطمئنك على إسلامك ودينك، ونبشرك بأنك في خير وعافية، وأن هذه الوساوس لا تؤثر على دينك، والشيطان يحاول بكل ما أوتي من وسائل أن يدخل الحزن إلى قلبك، ويجعلك تعيشين حالة من القلق واليأس، وهذه غاية أمنيته، كما أخبر الله عنه في كتابه العزيز، فقال: ﴿إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا﴾.
فلا تلتفتي إلى هذه الوساوس، وعلاجها سهل بسيط -بإذن الله تعالى-، والعمل به يسير إذا كنت جادة وعزمت النية، وصبرت على التوجيهات التي توجه لمن ابتلي بشيء من الوساوس.
وأفضل هذه الأدوية وأول هذه التوجيهات هو ما أرشد إليه النبي ﷺ من الإعراض الكامل عن الوسوسة، بحيث يعتقد الإنسان أنها وساوس حقيرة تافهة، لا تستحق منه أي اهتمام أو اعتناء.
فإذا قابلت هذه الوساوس بالتحقير والازدراء والإعراض عنها، فإنك قد أخذت بأهم أسباب الدواء، وقد قال النبي ﷺ لمن ابتلي بشيء من الوساوس: فليستعذ بالله ولينته، ومعنى الانتهاء يعني الإعراض عن الوسوسة وعدم التفاعل معها، وعدم الاكتراث والمبالاة بها.
فلا تبالي بها أبدا؛ فإنها مظهر من مظاهر يأس الشيطان من الإنسان المؤمن، ولذلك قال النبي ﷺ: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة، يعني أنه لم يستطع أن يحرف المؤمن عن طريق الإيمان للكفر، فرجع إلى طريق الوسوسة، فهو مظهر من مظاهر عجزه وخيبته.
واعلمي أن الله -سبحانه وتعالى- رحيم بعباده، ويعلم ما يعرض لهم من حالات الضعف، وأنك غير مؤاخذة تماما بكل ما يدور في ذهنك من هذه الأفكار، لكنك مطالبة بأن تأخذي بأسباب دفعها حتى تريحي نفسك منها.
فهذه أول الطرق لمداواة الوساوس:
- الإعراض الكامل عنها وتحقيرها.
- ثم الإكثار من الاستعاذة بالله تعالى كلما داهمتك هذه الأفكار، فبدلا من أن تتكلمي بما تمليه عليك الوساوس أو تفكري بما تدعوك إليه الوساوس؛ الجئي مباشرة إلى الاستعاذة بالله تعالى، كما قال الله في كتابه: ﴿وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم﴾، وكما قال الرسول ﷺ: فليستعذ بالله ولينته.
- والدواء الثالث: الإكثار من ذكر الله تعالى، فإن ذكر الله تعالى تحصين من الشيطان ووساوسه، فأكثري من ذكر الله، وقد قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في كتاب الأذكار: "أنفع علاج في دفع الوسوسة الإقبال على ذكر الله تعالى والإكثار منه".
وقد ذكر -رحمه الله- وصية لأحد الصالحين أوصى بها من ابتلي بشيء من الوساوس، فجاءه يشكو إليه الوسوسة، فقال له هذا الرجل الصالح، وهو أبو سليمان الداراني: "إذا أردت أن ينقطع عنك –يعني هذا الوسواس– فأي وقت أحسست به فافرح، فإنك إذا فرحت به انقطع عنك؛ لأنه ليس شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، وإن اغتممت - يعني حزنت بسبب الوساوس - وإن اغتممت به زادك".
فإذا الأمر يحتاج إلى مدافعة وصبر، وإيقان بأنك على خير –إن شاء الله–، وأن دينك لا يتضرر بهذا كله، وقد جاء أحد الصحابة إلى النبي ﷺ يشكو إليه أشياء يجدها في صدره، لا يستطيع التكلم بها ويبوح بها، فقال له النبي ﷺ: ذاك صريح الإيمان، يعني كراهتك لهذه الوساوس وخوفك منها دليل على وجود الإيمان في قلبك، إذ لولا وجود الإيمان لما شعر هذا الموسوس بالضيق والخوف بسبب وساوسه.
فنسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل سوء ومكروه، وأن يعجل لك بالعافية والشفاء.