أصبحت عديمة الصبر على طلب العلم..ماذا حدث لي؟!

0 7

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حياكم الله، وأحسن إليكم.

من الله علي بفضل منه فطلبت العلم، وبعد مجاهدات أصبحت مجتهدة في تحصيله، وكنت أجلس وقتا طويلا للعلم، قد يصل إلى 10 ساعات، وكنت سعيدة ومسرورة وفرحة جدا.

إلا أني انقطعت ما يقارب ثلاثة أشهر؛ لإصابتي بعين شديدة، فلم أستطع سماع الدروس، كنت أشعر بألم شديد في نفسي، وكنت أكره أن أرى الدروس وغيرها من الأمور.

وبعد أن التزمت بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- من قراءة سورة البقرة، والرقية الشرعية، والدعاء، تم شفائي -الحمد لله-.

الآن أصبح حالي صعبا جدا؛ لا أستطيع أن أصبر على طلب العلم، وأشعر أني تائهة في الطريق، وأشعر أن التزامي يرجع إلى الوراء، وأصبحت أسوف، ورجعت لذنوب كنت أجاهد نفسي كثيرا في تركها، إلا أني الآن رجعت لها بسهولة! مثل الغيبة، وإطلاق البصر، وتضييع الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، وعباداتي أصبحت باردة، لا أشعر بأي شيء، ولم أعد أتأثر بالمواعظ، وأصبحت عصبية جدا، ولا أطيق أن أجلس مع أهلي، وأتشاجر معهم بكثرة، ويعلو صوتي، وصدري ضيق، ماذا أفعل؟

وعندي اختبار في معهد خاص بالعلم الشرعي قريبا ولم أجهز له، انصحوني -أكرمكم الله-، وجزاكم الله خيرا، وأحسن الله إليكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ روزان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله تعالى:

فما تعانين منه قد يكون فعلا بسبب العين، وقد يكون فتورا وخمولا، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت شرته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك)، هذا أمر مقدر لك من قبل أن تخلقي، فعليك أن تتقبلي ذلك بالرضا، فاحذري من التسخط، فأنت لا زلت على خير -ولله الحمد والمنة-، وهو في نفس الوقت ابتلاء من الله ليعلم صبرك، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله -عز وجل- إذا أحب قوما ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط).

من الإيمان بالله الإيمان بالقضاء والقدر، كما ورد في الحديث: (أن تؤمن بالله .... وبالقدر خيره وشره)، تقلبات الهمة والطاعة أمر معروف، حتى عند الصحابة والتابعين، وكثرة لوم النفس يزيد الإحباط، والذي ننصحك به الاستعاذة بالله من الشيطان؛ لأنه يريد أن يثنيك عن طلب العلم، فلا تمنحيه ذلك، واجتهدي في البدء من جديد.

إذا افترضنا أنك أصبت بالعين، ومن ثم التزمت بقراءة سورة البقرة، وزعمت أنك شفيت من العين، لكن حالتك ساءت أكثر؛ فهذا يدل على أنك لم تشفي من العين، وإلا كانت حالتك عادت إلى طبيعتها.

ارقي نفسك واستمري في ذلك حتى تعودي لسابق العهد من النشاط العلمي، أو اعرضي نفسك على راق أمين موثوق بدينه وعقيدته، ويكون ذلك بحضور أحد محارمك، فإن كنت قد أصبت بعين فسوف تزول -بإذن الله-.

إن كنت فترت في طلب العلم فاجتهدي في العبادات، ابتداء بالمحافظة على الصلوات المكتوبة في وقتها، ثم المحافظة على النوافل وغير ذلك؛ فالعبادة تهذب النفس، وتصرف الشيطان، وتعين على الثبات على الدين.

حافظي على أذكار الصباح والمساء؛ ففي ذلك تحصين للنفس، وراحة للقلب، وطمأنينة للنفس، ودفع للعين والحسد -بإذن الله تعالى-، وأكثري من الاستغفار؛ فذلك من أسباب إذهاب الهموم والضيق، كما ورد في الحديث الصحيح: (من لزم الاستغفار، جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب).

أكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فذلك من أسباب كفاية الهموم وغفران الذنوب، فقد صح أن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا رسول الله! إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت، قلت: الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف؟! قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟! قال: إذا تكفى همك، ويكفر لك ذنبك).

أكثري من دعاء: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال)، وكذلك: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، وأكثري من سؤال الله أن يرد إليك حب العلم وطمأنينة القلب.

استمعي لبعض المواعظ القصيرة المؤثرة التي ترشد لطلب العلم وتذكر فضل ذلك؛ كي يلين قلبك تدريجيا، وأكثري من صيام التطوع، وصلاة النوافل، وأكثري من تلاوة القرآن الكريم بتدبر؛ فذلك من أسباب جلب تقوى الله تعالى، وإحياء القلوب، وتعين على طلب العلم والاستزادة منه.

عودي لطلب العلم والقراءة والاستماع بالتدرج، ولا تعودي بنفس الوقت الذي كنت تقضينه في طلب العلم سابقا، فابدئي بنصف ساعة في البداية، ثم زيدي الوقت بالتدريج، مع إعطاء النفس وقتا من الراحة والترويح المباح، وإعطائها ما تحبه من الملذات المباحة، فقد كان بعض علمائنا السابقين يفعل ذلك، فقد ذكر عن بعضهم أنه كان يأكل كل يوم لحما، فيقال له: لم تفعل هذا؟ قال: أروض نفسي، ولولا هذا لجمحت كما تجمح الدابة.

ابدئي بمراجعة المحفوظات؛ فذلك أفضل شيء، وأكثري من استماع المواعظ التي تحث على طلب العلم وحسن إدارة الوقت، واحذري من الذنوب والمعاصي؛ فإنها من أسباب الحرمان من العلم، والشيطان يسول للنفس الوقوع فيها لمعرفته أنها من أسباب الحرمان، وأكثري من الأعمال الصالحة التي تقوي إيمانك، وصدق الله إذ يقول: (واتقوا الله ويعلمكم الله)، فتقوى الله من أعظم الأسباب في تحصيل العلم.

عليك بالصبر والتؤدة والتأني قبل الرد على أي أحد، وفكري في عواقب ما سيخرج منك من كلام، وتذكري أن كل كلمة تصدر منك مسجلة في صحائف أعمالك؛ وبهذا سوف تزول عنك العصبية؛ لأنك فكرت في العواقب.

لا تعزلي نفسك عن أسرتك، وشاركيهم الحديث والجلوس معهم، وقدمي لهم النصائح؛ فذلك من الدعوة إلى الله التي تؤجرين عليها، وهي من أسباب الاستزادة من طلب العلم؛ لأنك قد تتعرضين للسؤال فتحتاجين للبحث عن الإجابة، فتبدئين بالقراءة والبحث عن الإجابة؛ وهذا ما سيجعلك تضعين قدمك في الطريق الصحيح كما كانت من قبل،

ولا بأس من ترويح النفس بالدخول في وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) لتصفح المقاطع المباحة لوقت يسير نحو ربع ساعة إلى نصف ساعة، وكذلك التواصل مع بعض الصديقات مثلا.

قدمي لأهلك الاعتذار عما بدر ويبدر منك، واطلبي منهم الصفح والدعاء، وبيني لهم أن ما يصدر منك خارج عن إرادتك، وأحسني إليهم.

استمري في رقية نفسك صباحا ومساء ببعض الآيات القرآنية، وخاصة الفاتحة، والإخلاص، والمعوذتين، وآية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، ومع كل مرة تنفثين على كفيك وتمسحين ما تيسر من جسدك.

نسأل الله تعالى أن يذهب عنك ما تجدين، وأن يوفقك للعودة إلى طلب العلم النافع، إنه سميع مجيب.

مواد ذات صلة

الاستشارات