بلا وظيفة وبلا زوج وأشعر بالغربة في بيت زوج أمي!

0 5

السؤال

طوال حياتي، ومنذ أن كنت صغيرة، كنت أحمل أعباء ليست من مسؤوليتي، لكنني لم أكن أبالي بها، كنت دائما أقول: "طالما أمي وزوجها وأولادها بخير، فأنا بخير."

كبرت، ودخلت الجامعة، وزادت الأعباء التي أحملها، لكنني كنت أعيش وأكمل طريقي، لكن بعد التخرج، وحتى الآن، مضت ست سنوات ولم يتحقق شيء في حياتي: لا وظيفة، لا زواج، وحتى صحتي الجسدية بدأت تتأثر.

أنا والله محتسبة أمري لله، ومر علي أكثر من مرة شعرت فيها أن هناك فرصة لتجاوز ما أنا فيه، كأن أتقدم لوظيفة وأتأمل وأجتهد، لكن في آخر لحظة تغلق الأبواب في وجهي.

لا شيء في حياتي يسير كما يجب، وأشعر نوعا ما أنني أعيش كضيفة في بيت أمي، حتى إخوتي من أمي الذين ربيتهم، أحدهم بيني وبينه 8 سنوات، وتوأمان بيني وبينهم 12 سنة، وآخر بيني وبينه 19 سنة، كلهم ربيتهم مع أمي، وكنت في أغلب الوقت المسؤولة عنهم، والآن أشعر أنني غريبة بينهم، وكأن كل شيء مغلق في وجهي، وكأنني مقطوعة من شجرة، لا شيء يربطني بهذه الحياة.

أنا -ولله الحمد- ملتزمة، مختمرة، وأصلي، وأحاول قدر الإمكان أن لا أرتكب الذنوب، لكنني وصلت إلى مرحلة لا أفهم فيها ما يحدث معي: هل هذا غضب من الله؟ هل ارتكبت شيئا أغضب الله علي؟

كل من حولي حياتهم تسير بشكل طبيعي -الله يبارك لهم-، أما أنا فحياتي متعثرة في كل النواحي، وكأنني محاصرة داخل البيت.

لا أعرف ماذا أفعل، ولا كيف أتصرف لأخرج من هذه الظلمة التي أعيش فيها!

يعطيكم العافية، وأعتذر على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.

بداية: نسأل الله أن يأجرك بما قدمته من بر بأمك ورعاية لإخوتك؛ فهذا عمل عظيم تؤجرين عليه بإذن الله، وقد قال الله تعالى: ﴿واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين﴾، وتذكري أن كل ما تجدينه من تعب ونصب، فهو في ميزان حسناتك إذا احتسبت الأجر عند الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه).

أختنا الفاضلة: من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالفراغ، أو بفقدان المعنى إذا انشغل لسنوات في جانب واحد من حياته، حتى وإن كان عملا جليلا، مع إهمال تام لغيره؛ لذلك من المهم أن توسعي اهتماماتك لتشعري بالإنجاز والتقدم في مجالات أخرى علمية، أو عملية، أو مهارية؛ حتى لا يتسلل شعور الضياع أو الندم إلى قلبك بسبب غياب التوازن في حياتك.

أختنا الفاضلة: ما تحتاجينه اليوم هو إعادة ترتيب بوصلة إنجازاتك، وتجديد الهمة، والانطلاق بخطوات واقعية لبناء أهداف جديدة في حياتك، ولا يزال أمامك متسع كبير لتحقيق الخير إذا صدقت النية والعزيمة.

ومن أجل ذلك نضع بين يديك بعض النصائح العملية التي نسأل الله أن ينفعك بها:

أولا: حددي أهدافك بوضوح: ارسمي لنفسك هدفا كبيرا، ثم اجعلي له خطوات أشبه بأهداف صغيرة عند تحقيقها تشعرك بسعادة الإنجاز، فمثلا: لو كان هدفك حفظ القرآن، اجعلي البداية بحفظ ربع جزء أسبوعيا، وعند تحقيق ذلك ستشعرين بلذة التقدم شيئا فشيئا.

ثانيا: ركزي على الموجود لا على المفقود: فكثير من القلق سببه الانشغال بما ليس عندنا، أو التطلع إلى ما عند الغير من خلال مقارنة الذات بالآخرين ممن حولنا أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ونسيان ما أنعم الله به علينا من خير موجود حرم منه الكثير، هذا الأمر ينسينا شكر النعمة، وينسينا كم نحن في سعادة وخير لا نفكر بها إلا عندما نفقدها؛ لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:(انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله)، تأملي قليلا فأنت – بحمد الله – لديك عائلة، وأتممت دراستك، وتعيشين في بيت آمن، بينما غيرك محروم من ذلك، بل ويتمنى شيئا منها، فقولي: الحمد لله، واسألي الله المزيد.

ثالثا: نظمي وقتك بعناية يوميا: من أهم أسباب الإنجاز استغلال الوقت، ولا يمكن استغلال الوقت إلا بتنظيمه بشكل جيد وصارم؛ لذلك اجعلي لنفسك برنامجا عمليا، وضعي لكل يوم هدفا صغيرا يدعم الهدف الأكبر في حياتك، فالأعمال الصغيرة إذا تكررت أثمرت بالاستمرار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل).

رابعا: صحبة صالحة محفزة: اختاري لنفسك رفيقات من ذوات الهمة العالية، فالمجالسة لها أثر كبير في دفع النفس للجد والاجتهاد والتنافس في الطاعات، وفي نفس الوقت ابتعدي عن كل ما يضعف إيمانك أو يؤخرك عن العمل والاجتهاد.

خامسا: الصلة بالله تعالى: أعظم ما يشعر القلب بالطمأنينة والإنجاز هو القرب من الله، قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، لذلك داومي على ذكر الله تعالى، والإكثار من الدعاء في كل وقت، وتلاوة القرآن وتدبره وفهم معانيه، وستجدين أثر ذلك في ذلك سكينة وعزيمة متجددة، فقد قال رسول الله صلى الله علية وسلم:(ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).

اختنا الفاضلة: اعلمي أن تأخر تحقيق بعض الطموحات لا يعني غضب الله عليك، فقد يكون الأمر ابتلاء لرفع الدرجات، أو تأجيلا لحكمة يعلمها الله، أو يصرفها الله بعلمة وكرمه عنك رحمة بك؛ لأنها قد تكون شرا لك من حيث لا تدرين؛ أو لأن الأمنيات تحتاج منك إلى عمل وجهد ومبادرة حقيقية حتى تصلي إليها، فلا تلومي نفسك دائما أو تكثري من جلد ذاتك، وأحسني الظن بالله تعالى، فهو الكريم سبحانه ما يقدر من شيء إلا كان فيه الخير، قال تعالى:(وعسىٰ أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ۗ والله يعلم وأنتم لا تعلمون).

أخيرا: لا تسترسلي في مقارنة نفسك بالآخرين؛ فهذا من أعظم أسباب الشعور بالنقص والإحباط، وبدلا من ذلك بادري للأعمال والاجتهاد في إصلاح نفسك، وتنمية علاقاتك الاجتماعية ليعرف من حولك ما تملكينه من أخلاق وأدب ومهارات، لتقطفي الثمرة بإذن الله تعالى، قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) بادري اليوم بخطوات عملية، فالتغيير يبدأ منك، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.

وفقك الله ويسر أمرك.

مواد ذات صلة

الاستشارات