رحب طليقي بتواصل ابنته معه بعد انقطاع ولكنه تغير عليها، فماذا تفعل؟

0 3

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أنا مطلقة منذ 14 سنة، ولدي بنت من طليقي عمرها الآن 13 سنة، لم يتم التواصل بينها وبين والدها إلا منذ شهور قليلة، وكانت المبادرة من طرفنا حفاظا على الصحة النفسية لابنتي، وكونها في سن المراهقة، رحب والدها بهذا التواصل، وكانت الأمور تسير بشكل جيد، ولكن فجأة تغير كل شيء، أصبح باردا تجاه ابنته، ولا يرد على المكالمات والرسائل، والحقيقة أن هذا الموضوع أثر على البنت، وأصبحت تشعر بأن والدها لا يحبها، ويؤثر إخوانها غير الأشقاء عليها.

علما بأني دائما أحاول أن أجد المبررات له ولغيابه، وأحثها على التواصل معه لأنه والدها، وله حق عليها، ومن باب بر الوالدين، لكن النتيجة تكون عكس ذلك، لا يوجد استجابة من طرفه، فتزيد الأمور تعقيدا، وخصوصا أن الوضع كان مختلفا تماما في بداية التواصل؛ حيث كان التواصل الهاتفي شبه يومي، بالإضافة إلى الرسائل.

أرجو إرشادي إلى الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذا الموقف، وهل أنا آثمة إذا طلبت من ابنتي عدم التواصل معه نهائيا إلا إذا كانت المبادرة من طرفه؟ وأن تعاتبه عند الاتصال بها مرة أخرى؟

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم بانا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام، ونشكر لك أيضا تشجيع الفتاة على التواصل مع والدها، وأرجو أن يستمر هذا التواصل حتى لو قصر الوالد؛ لأن البر واجب عليها، وهي تؤجر على هذا التواصل، اربطيها بالله -تبارك وتعالى- وبيني لها أنها مأجورة على صبرها، مأجورة على اتصالها، مأجورة على معاناتها، وهي تؤدي ما عليها، وسيأتي اليوم الذي يلين فيه الوالد ويعود إلى صوابه.

وقومي بما عليك تجاهها من ناحيتك، لكن من المهم جدا للأم الناجحة المؤمنة أن تشجع ابنتها على التواصل مع والدها حتى لو قصر الوالد؛ لأن البر عبادة لله -تبارك وتعالى-، وتقصير الوالد يضره هو ولا يضر الفتاة، والإنسان عليه أن يقوم بواجبه تجاه والديه حتى لو كانوا على ملة أخرى، كما قالت أسماء: "أتتني أمي وهي مشركة وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم، صلي أمك".

قال تعالى: ﴿وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم﴾، فلو بلغ السوء بالوالد أن يأمرها أن تكفر بالله -تبارك وتعالى فإنها لا تطيعه، قال العظيم: {فلا تطعهما}، ومع ذلك، ومع هذا الأمر الشديد ودعوة الولد إلى الشرك؛ قال بعد ذلك: {وصاحبهما في الدنيا معروفا}.

فشجعيها على حسن الصحبة، وصبريها، والتمسي الأعذار لوالدها، واطلبي منها أن تستمر، والذي يعينها على الصبر وينجيها من العلل والهبوط النفسي هو أن تشعر أنها تمارس عبادة وطاعة لله - تبارك وتعالى - حتى لو صدها الوالد أو ردها، أو لم يرد عليها، فهي مأجورة وتقوم بواجب شرعي.

عندما نستحضر هذا المعنى، ونتذكر الثواب الذي أعده الله للبررة، ستنسى كثيرا من المعاناة وستنسى كثيرا من الصعوبات؛ فلذلك أرجو أن تشجعيها على الاستمرار، وتشجعيها على الصبر، وتذكريها أنها ينبغي أن تفعل هذا طاعة لله الذي أمر ببر الوالدين، ثم بشريها بقول الله -تبارك وتعالى- بعد آيات البر: ﴿ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا﴾.

قال العلماء: في هذا تعزية لمن تقوم ببر والديها وتؤدي ما عليها ويقصر الطرف الآخر - يقصر الوالد أو تقصر الوالدة -؛ هنا الله (تبارك وتعالى) يبشر بالعفو والخير؛ لأنهم أدوا ما عليهم، ولأنهم قاموا بالعبادة المفروضة عليهم.

نسأل الله أن يعينكم على الخير، وعليها أن تبادر حتى لو لم يبادر الوالد، وشجعيها على أن تكون مبادرة، وتكرر المحاولات، وتدخل العمات وأصحاب الوساطات، وتتخير الأوقات المناسبة حتى تصل إلى والدها، ولو فرضنا أنها اتصلت وأغلق في وجهها الهاتف، فهي مأجورة وأدت ما عليها، وهذا في ميزان حسناتها عند الله تبارك وتعالى.

والإنسان إذا تذكر ثواب الله نسي ما يجد من آلام، كما قالت المرأة الصالحة: "تذكرت الثواب فنسيت ما أجد من ألم"، ذكريها بثواب البر، وعلميها أن الصبر على الوالد لون من البر مما تؤجر عليه عند الله -تبارك وتعالى-، وشكرا لك على هذا الاهتمام.

لا نحبذ أن تقوم البنت بعتاب أبيها إن تواصل معها، أو تواصلت هي معه، بل عليها أن ترحب بتواصله، ولا تشير لهذا الانقطاع، حتى لا تفتح بابا للشيطان، والكثير من الرجال لا يحبون الملام.

وأكرر: يستمر التشجيع مهما كان، وذكروها بثواب الله وفضله عليها، وأنها -ولله الحمد- وصلت إلى عمر تستطيع فيه بعد قليل أن تعتمد على نفسها، وإذا قامت بالبر فإن الله سييسر أمرها ويعينها على الطاعة؛ لأن البر من أعظم الطاعات لله -تبارك وتعالى- وليس للوالد أو لوالدة، وإنما هو طاعة لله تبارك وتعالى.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات