السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا فتاة عمري 23 سنة، تخرجت في الجامعة منذ أشهر بتقدير ممتاز، وبدأت تدريبا في مجال تخصصي (Computer Science).
أحفظ القرآن الكريم -والحمد لله- وأعلم القرآن وبعض المواد الدراسية في أحد المعاهد، لكنني صراحة مقصرة جدا في مراجعتي للقرآن، وأعلم أن هذا قد يكون السبب في ما أعانيه، فأنا إلى الآن لم أخطب بعد ولم أتزوج، ولم يكن هذا الموضوع بالنسبة لي مهما ومصيريا كما هو الآن.
منذ التخرج، أمي تخبرني دائما بأنني يجب أن أتزوج، وأنني كبرت، وأنه إذا كبرت أكثر ربما لن يأتي أحد لخطبتي، حتى إنني أصبحت أخاف أن أصل إلى عمر الخامسة والعشرين وأنا ما زلت عزباء.
تتعامل معي أمي وكأنني لم أفعل أي شيء مهم في هذه الحياة، وكلما سمعنا خبر خطبة أو زواج أحد أقاربنا أو الجيران، تتغير معاملتها معي لبعض الوقت، وكأن الأمر بيدي، لأنني لست اجتماعية كثيرا.
أشعر أحيانا أنني عالة على عائلتي، وبالأخص أن أمي غاضبة مني في هذا الموضوع، لأنه كانت هناك عائلة من معارفنا تريد خطبتي لابنها، لكنني لم أكن مرتاحة، وحاولت وأخبرت أمي أنني لا أريده، فقالت لي: "من سيخطبك أفضل منه؟ ومئة بنت تتمناه" إلى آخره.
وصراحة تأكدت أكثر أنني لا أريده، عندما علمت أنه كان يحب فتاة تعرف إليها عبر الفيسبوك ولم يقبل أهلها به، فقلت لنفسي: أنا لم أتحدث مع شباب، وأريد أن أتزوج شابا لم يتحدث مع بنات، وقد لامني البعض على هذا، قائلين إنه لا يوجد شاب لم تكن له علاقة حب سابقة.
منذ فترة التخرج، لا أستطيع فعل شيء، لدي مشروع في معهد القرآن، والتدريب الذي حصلت عليه، ومراجعة القرآن، والإجازة، لكنني لا أقوم بأي منها، وأضيع وقتي، مهما حاولت وضع خطط، لا تنجح، ولم أكن بهذه اللامبالاة من قبل.
أحزن على نفسي، وأمامي أهداف أريد تحقيقها، ولدي خوف من أن أبقى عازبة، ولا أريد أن أسمع من أمي ما هو أسوأ من اليوم.
لا أعرف السؤال الذي يجب أن أطرحه عليكم، وأشعر أنني أعرف الجواب: هل هذا من الران؟ هل يعاقبني الله بأن يمسك لساني عن ذكره، وألا أشعر بالخشوع في الصلاة، وألا أستطيع الاستمرار في المراجعة، وأن أفشل في كل خطة وضعتها؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ياسمين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
بداية، نسأل الله أن ييسر لك مراجعة القرآن الكريم ويثبته في قلبك، ويذهب عنك ما تجدينه من قلق ومخاوف.
ثانيا: نبشرك -أختنا الكريمة- أن ما يصيب المسلم من هم أو حزن أو ألم فهو كفارة للذنوب ورفعة للدرجات، كما قال النبي ﷺ: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه.
ثالثا: ما تعانينه أمر طبيعي في ظل الضغوط الأسرية التي تدفعك بقوة نحو الزواج، وهو ما سبب ارتباكا في أولوياتك وشعورا بالإحباط والعجز، رغم أنك صاحبة إنجازات مهمة؛ كتخرجك الجامعي المتميز، وحفظك للقرآن وتعليمه، هذه النجاحات لا ينبغي أن تمحى بسبب رسائل سلبية أو ضغوط عاطفية واجتماعية.
رابعا: لا شك أن والدتك تريد لك الخير، وتتمنى أن تراك مستقرة وسعيدة، وينبغي أن تتعاملي معها بلطف وإحسان وبر، وتقدير لمشاعرها ومخاوفها، لكن طريقتها بالضغط المستمر تؤدي أحيانا إلى نتائج عكسية؛ فقد تولد القلق والاكتئاب، وربما تدفع لزواج غير مدروس، يفتقد لجوهره المتمثل في السكن والمودة والرحمة، والتفاهم والتوافق.
خامسا: ينبغي أن تعلمي –وفقك الله– أن الزواج مشروع عظيم، لكن لا ينبغي أن يختزل فيه كل معنى حياتك أو إنجازك، والزواج من قدر الله تعالى، ولن يأتي إلا في موعده الذي اختاره الله، والصحيح أن مشروع الزواج هو مشروع العمر، ولا بد أن يتم بعقل وروية دون اندفاع وتسرع؛ فالزواج غير المدروس مهدد بالفشل وعدم الاستقرار، خصوصا في زماننا حيث تختلف العقول والثقافات عن الماضي، ولا شك أن والديك إذا تم الزواج بشكل متسرع وغير مدروس سيحزنهما فشل هذا الزواج أو عدم استقراره.
سادسا: من المهم الآن استعادة ثقتك بنفسك والخروج من الضغط النفسي، ولتحقيق ذلك ننصحك بالتالي:
- ادخلي في حوار صريح وهادئ مع والدتك، لتبيني لها أن الزواج بقدر الله، لا يتقدم ولا يتأخر إلا بإذنه، وأن دفعك للزواج بأي طريقة قد يتسبب في عدم الاستقرار بعد الزواج، مما ينتج عنه مشكلة مستقبلية، ربما تكون أكبر من تأخر الزواج.
- التذكير بأن بلوغ الخامسة والعشرين أو بعدها لا يعني تأخرا ولا نقصا، ثم إن هذا الأمر لا يد لك فيه ولا حيلة، كما أن المجتمعات تتغير وثقافة اليوم تختلف عن ثقافة الأمس.
- من المهم بناء وعيك بنفسك وذاتك لتقدير نجاحاتك، لتدخلي أي مشروع زواج من موقع قوة لا من موقع ضعف؛ فهذا له انعكاس على استقرارك الأسري وسعادتك الزوجية.
- أحسني الظن بالله، ولا تظني أن تأخر الزواج عقوبة من الله، بل قد يكون فيه حكمة بالغة وعاقبة أجمل.
سابعا: نسيان شيء من القرآن أو ضعف المراجعة، هو بلا شك تقصير يحتاج معالجة، لكنه يختلف بين من يهمل تهاونا وتكاسلا وبين من يجتهد ويقع منه قصور، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها.
وأخيرا: اعلمي أن البعد عن الأعمال الصالحة يورث قسوة وقلقا، بينما الطاعة والذكر تورث طمأنينة وسكينة، قال تعالى: ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ فابدئي من جديد بتوبة نصوح، وتنظيم وقتك لمراجعة القرآن، والإكثار من الدعاء والذكر، والحرص على العمل الصالح.
كما ننصحك بتوسيع دائرة علاقاتك الاجتماعية وحضور الملتقيات النسائية لترى النساء ما فيك من أدب وأخلاق ودين، ودعي التفكير في الغيب والمستقبل فهو بيد الله، واشتغلي ببناء نفسك في الحاضر، لتكوني -بإذن الله- زوجة صالحة وأما مربية لأجيال مؤمنة.
وفقك الله، ويسر أمرك.