والدتي تؤذيني جداً، فهل عدم الذهاب إليها يعتبر عقوقا؟

0 2

السؤال

أعاني من مشكلة مزمنة مع والدتي، تلازمني منذ الطفولة؛ تتمحور المشكلة حول تفضيلها الواضح للغريب علي؛ فكانت تقلل من شأني وجهدي ومساعدتي في المنزل، أمام زوجات إخوتي، بينما كانت تمتدحهن في حضورهن وغيابهن، وجهها ونبرتها يتغيران دائما عند التعامل معي، فعندما تحدثني عبر الهاتف، تتحدث معي بلطف لكوني متزوجة، لكن بمجرد وصولي إليها، يتغير كل شيء، ويصيبني ضيق نفسي شديد.

لقد توقفت عن التعامل معها؛ فابنتي تشاهد سوء المعاملة الذي أتلقاه، وقد وصل الأمر إلى أنني تلقيت منها ضربا مؤخرا (لم يكن قاسيا لكنه أثر في كثيرا؛ لأنه كان أمام ابنتي).

تورطت في مشكلة مع زوجات إخوتي، أو بالأحرى أدخلوني في مشكلة لا تخصني؛ حتى أن إحداهن دفعت أخي ليصفني بـ "الشيطان"! ويتهمني بالسوء، وسوء معاملتها، أقسم بالله أن هذا لم يحدث على الإطلاق، في البداية، طلبت مني والدتي أن أقاطع إخوتي وألا علاقة لي بهم، وأقسمت ألا أدخل بيوتهم في فرح أو حزن، لكنها عادت وتواصلت مع أولئك الفتيات، وتعاملت معهن بلطف وبشكل طبيعي، وهذا الأمر أحزنني كثيرا: لماذا لا تساندني؟ لماذا لا أملك مكانة في قلبها ما دامت أمور أبنائها الذكور بخير؟

أشعر أني مجرد خادمة تذهب لتنظيف المنزل، دون أن آكل شيئا في بيت والدي، لم يعد بيت والدي مكانا لي، لم أعد قادرة على التعامل معها، فقد اكتفيت من الأذى الذي عشته معها طوال حياتي، وقد سببت لي الكثير من المشاكل.

تساؤلي هو: هل إذا لم أذهب إليها بعد الآن، سيغضب الله علي، وأعتبر عاقة لوالدتي، أو مرتكبة للعقوق؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن عرض السؤال.

ونذكرك (يا بنتنا) بأن الصبر على الوالدة لون من برها، فإذا لم يصبر الإنسان على أمه، فعلى من يكون الصبر؟! ولذلك أتمنى أن تتسلحي بالصبر، وحاولي دائما أن تقومي بما عليك؛ لأن البر عبادة لله –تبارك وتعالى– الإنسان يؤديها للوالد والوالدة، مهما كانت ردود الأفعال، مهما كانت تصرفاتهم، ومهما كان تقصيرهم، ومهما كانت الطريقة التي يتعاملون بها معنا؛ لأننا نفعل ذلك طاعة لله –تبارك وتعالى–.

بر الوالدين عبادة عظيمة جدا، هي أعظم العبادات؛ ولذلك ربطها العظيم بتوحيده: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا}، وقال: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}، وقال: {أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير} بل المؤمنة مطالبة بأن تعامل والدتها بالحسنى، تصبر عليها، وتكرمها حتى لو كانت غير مسلمة، وقد سألت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- سألت النبي ﷺ: "أتتني أمي وهي مشركة، أفأصل أمي؟ قال: نعم، صلي أمك متفق عليه، بل هي مطالبة أن تحسن لوالدتها حتى لو طلبت منها ألا تصلي، أو تكفر بالله، هنا لا تطيعها، قال تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما}، ولم يقل بعدها: خاصمهم أو قاطعهم، وإنما قال: {وصاحبهما في الدنيا معروفا}.

وعلينا أن نتعلم أن منهج الأنبياء هو منتهى اللطف مع الوالدين، فهذا الخليل -عليه السلام- يقول لوالده الكافر المشرك الذي كان يرعى الأصنام ويقود أصحابها: {يا أبت ... يا أبت ... يا أبت ...} بهذا اللطف.

وعليه، أرجو أن تنتبهي لما يلي:

أولا: البر عبادة لله –تبارك وتعالى–، والذي يحسن يجازيه الله، والذي يقصر يعاقبه الله –تبارك وتعالى–.
ثانيا: بر الوالدين لا يتوقف على إحسانهم، سواء أحسنوا أو لم يحسنوا، نحن علينا أن نؤدي الطاعة لله وهي البر.
ثالثا: أعلى وأغلى أنواع الصبر هو الصبر الذي يعتبر عبادة، وهو الصبر على الوالدين، وهذا لون من برهم.
رابعا: إذا ظلمت الأم وفرقت بين أبنائها ولم تقدر ابنتها؛ فإن البنت تتسلح بالصبر، وتقوم بما عليها، ونسأل الله أن يعينك على ذلك.
خامسا: لا تعاملي الوالدة على أنها زميلة، تغضبين منها، وتغضب منك وتردين عليها! هذا أمر ينبغي أن يكون واضحا أمامك.

وبالنسبة لإخوانك وزوجاتهم؛ فعامليهم بالمعاملة التي ترضي الله –تبارك وتعالى–، وحاولي أن تجعلي علاقتك معهم سطحية، وتجنبي مواطن الاحتكاك، وتفادي المشاكل، وعليه نحن ندعوك إلى ألا تقطعي الزيارة عن الوالدة، ولا تتوقفي عن المساعدة، لكن اجتهدي في أن تكون الزيارة قصيرة وهادفة، ولكن لا تقطعي الزيارة، وحاولي الصبر عند المواقف التي تحدث فيها مشاكل، تجنبي ما يجلب الاحتكاك مع إخوانك أو مع زوجاتهم، ولا تتدخلي في مشاكلهم، ونسأل الله أن يعينك على الخير.

ومجرد هذا السؤال يدل على أنك على خير، والجنة (يا بنتي) مهرها غال؛ فلذلك اصبري على الوالدة، ولست أول من أساءت إليها والدتها، أو أنكرت جميلها أو معروفها الذي تقوم به، ولكن إذا كنا نعمل لله، فلا نبالي بإنكار أحد.

صبرك على الوالدة من أعلى أنواع الطاعات، وأنت ولله الحمد بارة، فاتقي الله واصبري، واحفظي شعرة الصلة والعلاقة بين إخوانك وبين جميع الناس، شعرة معاوية –كما يقال–، شعرة العلاقة ينبغي أن تبقى ولو في حدود السلام والسؤال عن الصحة، وهذه الأشياء المهمة التي نحتاجها في تعاملنا مع الآخرين، فكيف إذا كان الآخرون هم الوالدة والإخوان، فهي صلة رحم، (بر الوالدين)، وكذلك أيضا زوجاتهم أو المعارف إذا كان ذلك يرضي الوالدة، فعامليهم أيضا معاملة حسنة، وتجاوزي عن الأخطاء التي تحدث؛ لأن القرآن يعلمنا فيقول: {ادفع بالتي هي أحسن}.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات