أفكر في ترك عملي، نظرا لعدم التقدير والشعور بالظلم

0 5

السؤال

السلام عليكم.

أعمل منذ سنوات طويلة في إحدى شركات قطاع البترول، وقد كرست جهدي وإخلاصي لتحقيق إنجازات واضحة انعكست على الشركة، وسمعتها داخل القطاع، إلا أنني برغم هذا العطاء، أواجه منذ فترة طويلة مظاهر ظلم، وتعسف، وعدم تقدير، تمثلت في تهميش مقصود، وإقصاء غير مبرر، في وقت كنت أنتظر فيه الاعتراف بجهدي، ومكافأتي على ما قدمت.

أشعر اليوم أن مسيرتي المهنية داخل الشركة وصلت إلى طريق مسدود، وأن بيئة العمل لم تعد تعكس قيم العدالة، أو تتيح لي فرصة للنمو، أو التقدير المستحق.

أنا متزوج، وأعول أسرة، وهو ما يجعل قراري أكثر حساسية؛ لأن الانتقال إلى مجال آخر يعني بدء مشوار جديد، مع ما يحمله من تحديات مادية ومعنوية، ومع ذلك، فإن ضغوط الظلم المتكرر، وعدم التقدير باتت تؤثر علي، وعلى استقراري النفسي والمهني، وأصبحت أفكر جديا في ترك الشركة نهائيا، والبحث عن فرصة جديدة في مجال آخر، يمكن أن يقدر جهدي، ويتيح لي الاستقرار والكرامة المهنية.

أطلب استشارة مهنية وقانونية حول هذا القرار المصيري: ما هي أفضل الخطوات التي يجب اتباعها عند التفكير في ترك الشركة؟ وكيف يمكنني أن أحافظ على حقوقي ومكتسباتي السابقة؟ وفي الوقت نفسه أبدأ مسارا جديدا بشكل آمن يحمي مستقبلي وأسرتي؟

إنني لا أطلب أكثر من حق طبيعي في بيئة عمل عادلة تقدر الإنجاز، وتكافئ المخلص، فإن تعذر ذلك، فربما يكون الخيار الأمثل هو البدء من جديد، في مكان آخر أكثر عدلا وإنصافا.

إن ما يدفعني للتفكير الجاد في هذه الخطوة هو أن الشعور بالظلم المستمر، وعدم التقدير، أصبح يثقل كاهلي، ويؤثر على دوافعي وقدرتي على العطاء، فلا قيمة لأي إنجاز إذا لم يجد الاعتراف أو الحماية، لقد تعبت من الصمت، ومحاولات الصبر التي لم تقابل إلا بتهميش وتجاهل، وأصبح بقائي في هذا المناخ نوعا من إهدار العمر.

إنني أؤمن أن الاستقرار الحقيقي لا يتحقق إلا في بيئة عمل عادلة، تصان فيها الكرامة، ويعترف فيها بالجهود؛ لذلك أبحث عن استشارة صادقة ترشدني: هل أواصل الصمود داخل الشركة رغم كل ما أعانيه، أم أن تركها والسعي وراء مجال جديد، قد يكون هو القرار الأصوب لي ولأسرتي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عماد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

بداية -أخانا الكريم- ينبغي أن تدرك أن هذه الحياة دار ابتلاء وامتحان، وأن الأصل فيها الكدح والتعب في سبيل تحقيق ما نرجوه ونطمح إليه، قال الله تعالى: ﴿يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه﴾؛ ولذلك فإن مواجهة الإنسان لبعض الضغوط والصعوبات، والأمور التي لا تسره في مسيرة حياته هو أمر طبيعي ومتوقع؛ بل إنه مما قدره الله على عباده، ومن هنا كان الصبر، والتوكل، واحتساب الأجر من الله -عز وجل- هو السند الحقيقي الذي يهون على النفس مرارة الشدائد، وقسوة الصعاب، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه).

لكن ينبغي أن ننتبه إلى أن الرضا بالظلم، والاستسلام للإساءة، أو التفريط في الحقوق، ليس من خلق المسلم، ولا من هدي الإسلام، بل على المسلم أن يبذل جهده وطاقته لرفع الظلم عن نفسه، وعدم الخضوع له، قال تعالى: ﴿إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم ۖ قالوا كنا مستضعفين في الأرض ۚ قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ۚ فأولٰئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا﴾.

فإذا تيقنت أنك تمر بحالة من الظلم أو التهميش الذي يسلب فيه حقك، فلا بد من الاجتهاد في دفع هذا الظلم بالوسائل المتاحة.

أخي الكريم: لا شك أن التقدير عامل أساسي في حياة الإنسان، وهو من أعمدة التحفيز والرضا، سواء في الحياة العامة، أو في بيئة العمل على وجه الخصوص؛ فالبيئة التي تغيب عنها ثقافة التقدير والتحفيز، تترك آثارا سلبية متراكمة على الإنتاجية والجودة، ثم تتفاقم تلك الآثار، لتصيب الصحة النفسية، وتضعف الإحساس بالقيمة والإنجاز، وكل ذلك ينعكس سلبا على كل حياة الإنسان.

ومن هنا فإن اختيار بيئة العمل تحتاج إلى دراسة متأنية، قبل اتخاذ القرار، وكذلك فإن تغيير بيئة يسودها الإهمال، وغياب التقدير، يحتاج إلى دراسة عميقة متوازنة، تبنى على الواقعية، والنظر إلى المستقبل، حتى لا يكون قرار الرحيل سببا في معاناة جديدة، لا تقل مشقة عن المعاناة التي دفعت إليها.

ولهذا نضع بين يديك جملة من الخطوات والنصائح، التي نرجو أن تكون لك عونا عند التفكير في قرار البقاء أو الترك للشركة:

أولا: قرار ترك العمل قرار مصيري؛ فلا ينبغي أن يكون وليد انفعال عاطفي، أو رد فعل لحظة غضب، فالعاطفة حينها قد تدفع إلى قرارات غير مدروسة، أو نتائج غير محسوبة؛ لذا احرص على التفكير بهدوء، وضع خطة واضحة ومدروسة، تتابع فيها مراحل نتائج تأثير هذا القرار على حياتك، وحياة أسرتك، ومستقبلك، خطوة بخطوة.

ثانيا: تمعن في أسباب التهميش، وعدم التقدير، هل مصدرها تصرف فردي، أو موقف شخصي من مسؤول بعينه؟ أم أنها سياسة ممنهجة تسري على الجميع؟ فإن كانت فردية، فقد يزول أثرها بتغيير صاحب القرار؛ أما إذا كانت سياسة عامة، فالرحيل يصبح أقرب.

ثالثا: الواقعية في النظر أمر جوهري؛ فالطموح لبيئة خالية من أي مكدرات، أو تجد فيها التقدير والتحفيز بشكل دائم، قد يكون نوعا من التفكير المثالي؛ لذلك ادرس جميع الاحتمالات المترتبة على قرارك، ونتائجه السلبية والإيجابية، ولا تتسرع بالانتقال إلى بيئة قد تعيد إنتاج المشكلة نفسها.

رابعا: جرب المصارحة والحوار: فالحوار الهادئ مع مسؤوليك، قد يكشف أن الأمر ليس إلا ظرفا طارئا، أو سوء فهم، أو حتى مجرد وهم يوافق النفس وشكوكها أحيانا؛ لذلك ناقشهم بهدوء دون اتهام، وبين أثر هذا التهميش على حياتك المهنية والإنتاجية، وعلى مستقبل الشركة ونجاحها، قد تكون النتيجة مراجعة شاملة تغير نظرتك بالكامل، وهنا تظهر أهمية الثقة بالنفس، والقدرة على التعبير عن موقفك ورفضك بوضوح وثقة، ما دمت صاحب حق.

خامسا: أما ما يتعلق بالجانب القانوني: فهو لا يقل أهمية، ويكمل التوازن في قرارك، وهنا نصائح عامة ينبغي الالتفات إليها قبل أي قرار منها:

• راجع عقد عملك جيدا، خصوصا ما يتعلق بمكافأة نهاية الخدمة، والإجازات، والتعويضات.
• وثق أي مظاهر للظلم، رسائل، تقييمات، أو غيرها من الأدلة التي قد تعزز موقفك لاحقا.
• استشر أصحاب تجارب سابقة، وكذلك محاميا متخصصا، أو نقابة عمالية في قطاعك؛ فذلك يمدك بخبرة عملية تفيدك في اتخاذ القرار.
• لا تقدم استقالتك، أو توقع أي إخلاء طرف قبل أن تتيقن من تسوية مستحقاتك كافة، وحفظ حقوقك كاملة.

سادسا: التفكير في البديل بعد الرحيل خطوة مهمة جدا، وينبغي أن تراعي فيها التالي:

• بناء شبكة علاقات مهنية واسعة قبل مغادرتك؛ فهذا يساعدك على توفر البديل.
• تحديث سيرتك الذاتية، مع إبراز إنجازاتك، وجوانب قوتك الموثقة.
• البحث عن بدائل قريبة من تخصصك ومهاراتك التي تحبها وتبدع فيها.
• إعداد خطة مالية محكمة للفترة الانتقالية؛ فقد تطول، ولا بد أن تتوافر لديك سيولة تكفي لعبورها بأمان.

أخي الكريم: الصمود والصبر محمودان بلا شك في مواجهة التحديات، ولكن المقصود هو الصبر الذي يصحبه أمل في التغيير، وبوادر انفراج، لا الصبر الذي يستهلك العمر، ويستنزف الطمأنينة، ويجعل صاحبه عاجزا عن التغيير مع قدرته عليه.

أما قرار الترك أو البقاء: فبالإضافة لما سبق، ادرس الأمر من جميع جوانبه، وخذ بالأسباب التي تدفع الظلم عنك، ثم توكل على الله تعالى واستعن به، وأخلص نيتك لله، وستجد أن الله يبارك في سعيك ويعينك على الخير.

وأخيرا: لا تنس أمرا مهما جدا، وهو الدعاء واللجوء إلى الله، قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ۚ ومن يتوكل على الله فهو حسبه ۚ إن الله بالغ أمره ۚ قد جعل الله لكل شيء قدرا)، فأصلح علاقتك بالله، وأكثر من الأعمال الصالحة، والصدقة، وبادر إلى الاستخارة في كل خطوة قبل اتخاذ القرار؛ فهي مفتاح عظيم للطمأنينة، وسداد الرأي، كما أنها تفتح لك باب الاستقرار النفسي والراحة عند اتخاذ القرار.

وفقك الله، وسدد خطاك، ويسر أمرك.

مواد ذات صلة

الاستشارات