السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرا.
عندي مشكلة، فأنا مريضة نفسيا، وعندي مشكلة في الاستمرار في الدعاء في أي شيء؛ ففي يوم عرفة القادم -بإذن الله- أريد أن أدعو ربي بالشفاء والزواج بمن أحب، ولكني خائفة ألا يستجيب ربي دعائي في الشفاء؛ لأني حاولت العلاج، ويئست منه.
أرجوكم لا تقولوا لي: لماذا تنتظرين يوم عرفة؟ لأن عندي أسبابي الخاصة، أريد الزواج بمن أحب، والشفاء، وأعلم أن ربي قادر على كل شيء، لكني أحيانا أقول في نفسي: ربما لم يكتب لي الشفاء.
أريد نصيحتكم الطيبة -بارك الله فيكم-.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Hodan حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول، وبالله تعالى وحده أستعين:
قرأت استشارتك بتمعن، وشعرت بما تعانين منه، وأحسست بالألم الذي تجدينه، لكن ينبغي عليك أن تعلمي أن ما يمر به الإنسان في حياته من سعادة، وحزن، وآلام، من الأمور التي قدرها الله على الإنسان من قبل أن يخلقه، وتأتي في الأوقات التي قدرها الله وكتبها، كما قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة). وقال -عليه الصلاة والسلام-: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس)، والكيس: الفطنة، ويقول الصحابي الجليل شداد بن أوس -رضي الله عنه-: (يا أيها الناس، لا تتهموا الله في قضائه، فإن الله لا يبغي على مؤمن، فإذا نزل بأحدكم شيء مما يحب فليحمد الله، وإذا نزل به شيء يكره فليصبر وليحتسب، فإن الله عنده حسن الثواب).
أختي الكريمة: ليس شيء أنفع في حالتك مثل الدعاء؛ فالدعاء يرد القضاء، وذلك لا يخرج عن علم الله، فالله تعالى يقدر على العبد أنه سيحصل له كذا، ولكنه سيمكنه من الدعاء، فلن يحصل له ذلك الأمر، بل سيحصل له الأمر الفلاني، ففي الحديث: (وقني شر ما قضيت)، فلو لم يكن الدعاء نافعا في رد ما قضاه الله من الشر، لما كان لهذا الدعاء معنى، ولصار نوعا من الاعتداء في الدعاء، وفي الحديث الصحيح يقول -عليه الصلاة والسلام-: (لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر)، ويقول عليه الصلاة والسلام : (الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة) أخرجه الحاكم وصححه الشيخ الألباني.
كوني متوكلة على الله في جميع أمورك، واعلمي أن التوكل على الله لا يعني ترك العمل بالسبب، بل حسن التوكل على الله يقتضي العمل بالسبب، ولذلك جعل الله أسبابا لنيل الرزق، ولا يأتي الرزق بنفسه؛ فالصحة من الرزق، والزواج من الرزق، يقول الله تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ۖ وإليه النشور)، فأمرنا بأن نعمل بالأسباب، وأن نسعى في الأرض لكسب الرزق، والمؤمن يتقلب بين الشكر والصبر، كما ورد في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم-: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكانت خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكانت خيرا له).
الدعاء لا يحتاج إلى مكان معين، وتأجيل الدعاء إلى عرفة ليس له أي مسوغ، فالله تعالى قال: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)، وقال سبحانه: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ۖ أجيب دعوة الداع إذا دعان ۖ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)، ولم يخص ربنا استجابة الدعاء بمكان معين، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هناك أوقاتا يستجاب فيها الدعاء، فاستغليها، كالثلث الأخير من الليل، وأثناء السجود، وعندما يصحو الإنسان من نومه أثناء الليل، ويوم الجمعة ما بين العصر والمغرب، ويوم الأربعاء ما بين الظهر والعصر، وعند نزول المطر، وبعد الأذان، فاجتهدي في الدعاء في هذه الأوقات.
أكثري من الاستغفار، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فذلك من أسباب تفريج الهموم، وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب). وقال لمن قال له: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك) ومعنى صلاتي هنا أي دعائي، وأكثري من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم كلما شعرت بوساوس الشيطان، ولعل تأجيلك الدعاء إلى عرفة من تلك الوساوس التي يوحي الشيطان بها إليك، بأن الدعاء لا يستجاب إلا في يوم عرفة.
من العمل بالأسباب الشرعية في مرضك النفسي: الرقية الدائمة؛ فارقي نفسك بالآيات القرآنية، والأدعية النبوية، وكذلك العمل بالأسباب المادية، من اختيار طبيب ماهر في الأمراض النفسية؛ ففي ذلك نفع -بإذن الله تعالى- إن أخذت بتوجيهات الطبيب، ولم تخالفيها، وكوني على ثقة بأن الله سيستجيب دعاءك، وظني بالله خيرا؛ فقد صح في الحديث القدسي: (إن الله جل وعلا يقول: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرا فله، وإن ظن شرا فله) لا تيأسي من الدعاء، ولا تسمحي للشيطان أن يؤيسك من الاستجابة، ففي الحديث: (يستجاب للعبد ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي).
لا يلزم من دعاء الإنسان أن يستجيب الله له في الحال، بل أخبرنا نبينا -عليه الصلاة والسلام- أن الدعاء على مراتب، فعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذا نكثر؟ قال: الله أكثر).
الزواج من الأمور المقدرة المكتوبة، والتي تحدث وفق ما قضاه الله وقدره، فعليك بالصبر وعدم التعلق بشخص بعينه؛ فقد لا يكون ذلك الشخص من رزقك، وإذا جاءك من ترضين دينه وخلقه فلا تترددي بقبوله؛ فالإنسان قد يحب شيئا ولا يعلم أن فيه شرا له، وقد يكره شيئا وهو خير له، قال تعالى: (وعسىٰ أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ۗ والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (البقرة 216).
حافظي على أذكار اليوم والليلة بانتظام، ويمكنك الاستفادة من كتاب حصن المسلم للقحطاني، أو تنزيل تطبيق أذكار المسلم في هاتفك، واحرصي على أذكار النوم وغيرها، واستعيني بالله تعالى ولا تعجزي، وعيشي مع أسرتك، ولا تنفردي عنهم؛ فإن ذلك مدعاة لكثرة التفكير ووساوس الشيطان الرجيم.
أسأل الله تعالى لك التوفيق، وأن يشفيك ويعافيك عاجلا غير آجل، كما أسأله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، الذي يسعدك في هذه الحياة، آمين.