السؤال
أعاني من وسواس قهري متعلق بالأمراض، وقد عانيت منه لسنوات طويلة، حيث شمل تقريبا كل أنواع الأمراض، والآن أصبح الوسواس مرتبطا بالحيوانات، وتحديدا داء السعار، أخشى أن يصلني لعاب كلب أو قطة عبر الهواء، أو من خلال لمس شيء ما، أو الطعام.
تطورت حالتي بشكل كبير، حتى أصبحت لا أحب الخروج من المنزل، خوفا من أن يصل شيء إلى عيني أو أنفي، خاصة عندما يكون الباب مفتوحا أثناء النوم.
كان لدي هذا الوسواس من قبل، لكنه ازداد بشكل كبير بعد تعرضي لنباح كلب كان مع راعي غنم، وقد كان الوسواس موجودا قبل هذا الموقف، لكنه تفاقم بعده، رغم مرور 47 يوما عليه، أخشى أن تكون أي أعراض جسدية بداية للمرض، مما زاد من حدة الوسواس.
أصبحت أتجنب الخروج من المنزل، والتعرض للحيوانات، أو الوقوف خلف النوافذ، أو لمس أغراض خارج المنزل، أو على الأرض في العمل، أو حتى استخدام صنابير المياه الخارجية أو الأحذية.
أصبحت أربط بين المواقف والأحداث، والسيناريوهات، بشكل يثير في نفسي خوفا شديدا، حتى عندما سنحت لي فرصة عمل بعد فترة طويلة من البطالة، لم أستطع الذهاب بسبب هذا الوسواس.
سبق أن عانيت من الوسواس وتغلبت عليه، لكن هذه المرة وصل إلى مرحلة متقدمة جدا، حتى إنه يمنعني أحيانا من الأكل، بسبب نافذة مفتوحة قد تدخل منها قطة، أو بسبب مرور الكلاب بجانب المنزل، مما يجعلني أخشى أن يصل لعابها إلى الداخل، وعندما أنام والباب مفتوح، تأتيني تخيلات مصحوبة أحيانا بأحاسيس جسدية، وأشعر وكأن هناك خدوشا من حيوان تسلل إلى الغرفة.
أشعر بالخوف حتى من مصافحة أشخاص يربون الحيوانات، أو أشك أنهم تعرضوا لكلب أو قطة، بالإضافة إلى ذلك، أعاني من أعراض جسدية مرهقة، مثل: الخمول، والصداع، وآلام المعدة، والضيق، منذ بضعة أيام أصبت بزكام وألم في الحلق، وأشك أنها أعراض نفسية مرتبطة بالموقف.
هذا الوسواس أثر بشكل كبير على حياتي الاجتماعية والجسدية والنفسية والمهنية، كما أنني أعاني أيضا من وسواس في الصلاة، الرجاء الرد، وأتمنى ألا يتم نشر هذا السؤال على الصفحة.
جزاكم الله عني خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك -أخي الفاضل- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال المفصل.
هناك في سؤالك أمران:
الأمر الأول هو الوسواس القهري: والذي عانيت منه منذ فترة فيما يتعلق بالصلاة وغيرها، والآن ربما يتعلق بالطهارة والنظافة والخلو من الأمراض.
أما الأمر الثاني: فهو حالة رهاب، أي الخوف من العدوى أو أن يصيبك مرض نتيجة لمس، أو اقتراب من الكلاب، أو القطط، وهذا الأمر أثر عليك بشكل كبير، حتى إنك -كما ذكرت - إذا كنت تأكل أو كنت في البيت والنافذة مفتوحة، فإنك تبالغ في المخاوف التي يمكن أن تتعرض لها.
أخي الفاضل: الخوف من الإصابة بالعدوى من القطط أو الكلاب أمر شائع أكثر مما يظن، وهو غالبا مرتبط بالأمر الأول الذي ذكرته لك، وهو القلق الصحي أو الوسواس القهري المتعلق بالتلوث.
أخي الفاضل: أنصحك بأن تركز في هذه المرحلة على التعافي من حالة الرهاب أو الخوف، وسأذكر لك عدة أمور تساعدك كلها أو بعضها يمكن أن يساعدك:
أولا: لا بد من فهم طبيعة الخوف، وأن تميز بين الخطر الحقيقي والخطر المتخيل، فالخطر الحقيقي عادة محدود جدا؛ فمعظم الكلاب والقطط الأليفة لا تنقل الأمراض الخطيرة، بينما الخوف المبالغ فيه سببه تصور ذهني وليس دليلا واقعيا، ويفيد هنا: أن تتذكر أن العدوى لا تنتقل إلا بوجود اتصال مباشر ومحدد مع لعاب أو دم حيوان مصاب، وليس بمجرد اللمس أو القرب منه أو فتح النافذة.
ثانيا: التعامل الذهني مع هذا الخوف، حاول أن تتحدى الأفكار الكارثية التي عندك، مثلا: اسأل نفسك: "ربما أصبت بمرض داء الكلب لأن القطة لمست حذائي"، اسأل نفسك: هل هذا أمر واقعي صحيح؟ الغالب أنه ليس واقعيا؛ لأن هذه المخاوف عادة غير منطقية وغير معقولة، واستبدل هذه الفكرة الخاطئة بفكرة إيجابية، كأن تقول في نفسك: "لا يوجد خطر حقيقي من لمس القطة، إذا لمست القطة سأغسل يدي وأكمل يومي".
ثالثا: حاول أن تطبق بعض مهارات تخفيف القلق الجسدي، ومنها تمارين حبس النفس والزفير، أي خذ شهيقا لمدة أربع ثوان، تحبس النفس لمدة ثانيتين، ثم تخرج زفيرا بطيئا خلال ست ثوان، ويمكن أن تكرر هذه العملية خمس أو ست مرات، أيضا يمكنك أداء تمارين استرخاء العضلات التدريجي: بأن تجلس وتشد على عضلات جسمك لبضع ثوان ثم ترخيها، تشدها ثم ترخيها، وهكذا بالتناوب.
رابعا: -وهو أمر مهم جدا- نضعه عادة تحت (العلاج السلوكي) وهو (التعرض التدريجي)، وهو أن تعرض نفسك بالتدريج لما تخاف منه، مثلا: التعرض بالنظر إلى صورة قطة أو كلب، ثم تقترب أكثر من قطة أو كلب بعيد، وهكذا تدريجيا، حتى يقل عنك التوتر والقلق شيئا فشيئا.
خامسا: احرص على السلوكيات الصحية المعتادة التي كلنا يعرفها، مثل:
• غسل يديك بالماء والصابون بعد لمس الحيوانات.
• عدم لمس الجروح المفتوحة، أو الفم قبل غسل اليدين.
• التأكد من أن الحيوانات التي من حولنا مطعمة ونظيفة، فهذه أمور وقائية بسيطة لكنها مفيدة.
سادسا وأخيرا: إذا صعب عليك القيام بكل هذا، وأنت تعاني منذ فترة؛ فلا مانع من أن تستشير العيادة النفسية؛ فهناك -بالإضافة إلى العلاج المعرفي والسلوكي- هناك العلاج الدوائي الذي يمكن أن يخفف من هذا القلق والتوتر.
أدعو الله تعالى لك بتمام الصحة والعافية.