السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قريبا قدمت استشارة، وأعتذر فإني أود طرح استشارة أخرى.
أنا في حيرة من أمري بسبب موضوع دمر حياتي، أعاني من مرض نفسي، وأتناول الأدوية الخاصة به؛ حيث شخصت باضطراب ثنائي القطب، والرهاب الاجتماعي، مع شيء من الوسواس.
في البداية كانت أمي تعتقد أني مصابة بالعين أو الجن، وفي النهاية صدقت ذلك أيضا، أرجوكم أن تطلعوا على استشارتي الأولى وتقيموا حالتي، والغريب أن حالتي كانت تسوء كلما قرأت سورة البقرة، إذ يزداد الوسواس عند شعوري بالخوف، مع وجود شهوة مستمرة بلا سبب واضح.
لكن الخوف قل بعد أن بدأت بتناول الأدوية: "سيرترالين"، و"ريسبيريدون"، و"ديباكين"، كما وجدت راحة عند قراءة سورة الفاتحة وقول الأذكار، وقد جربت مختلف العلاجات مثل استخدام الزيوت القوية، وحضور الجلسات القرآنية الجماعية، إلا أن شيخا موثوقا في بلدنا قال: ليست عندك إصابة روحية، بل هي أمراض نفسية.
فأنا في حيرة: تركت القرآن والدعاء والذكر، وأجد صعوبة كبيرة في الاستمرار على العبادة والثبات عليها.
مررت بمراحل صعبة جدا، ومع ذلك لا تظهر علي أغلب أعراض الأمراض الروحية: فلا أرى منامات مزعجة، ولا أشعر بالاختناق، غير أن عندي هذه الشهوة المستمرة، مع خيالات جنسية، وأظن أنها بسبب مشاهدتي للأفلام الإباحية لسنوات طويلة؛ مما جعل تفكيري منصبا على الجانب الجنسي.
والله، لو أخبرتموني أني ليس عندي مرض روحي، فسأبدأ بالعودة إلى قراءة القرآن والذكر وسائر العبادات.
الآن أنا ملتزمة بالفرائض، والحمد لله، لكن تبقى هذه الشهوة المستمرة بلا سبب ظاهر، وقد سمعت عن مرض يسمى متلازمة الاستثارة التناسلية المستمرة، وهو مرض نادر يصيب النساء، وقد يكون سببه الآثار الجانبية لبعض الأدوية النفسية.
وأنا بالفعل كنت أتناول أولانزابين (Olanzapine)، والله أعلم.
أرشدوني بارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Hodan حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يصلحك، وأن يعفو عنك.
اعلمي -رعاك الله- أن ما تجدينه من بلاء في نفسك وأفكارك وشهواتك أمر متفهم لدينا، وله علاجه بفضل الله، فلا تقلقي، واعلمي أن هذا لون من ألوان الابتلاء، يمحص الله به النفوس، ويطهر به القلوب، ويرفع به الدرجات، قال تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}، فجعل الصبر بشارة عظيمة، كأنه وسام يعلق على صدر المؤمن بعد صبره وثباته.
وما تجدينه من أفكار ووساوس وقلق واضطراب، أو من شدة في الشهوة، له في الطب تفسيره وفي الشرع دواؤه، فهو ليس مرضا روحيا خالصا كما قد يخيل إليك، بل امتحان نفسي وجسدي له علاج، وأسباب للتداوي، وقد جعل الله التداوي عبادة يؤجر عليها المؤمن إذا قصد بها وجه الله؛ لذلك لابد من الانتباه لكلام سعادة الدكتور مأمون -حفظه الله-.
أما الوسواس والقلق: فاعلمي أن الشيطان يوسوس لك ليصدك عن القرآن والذكر، فيثقل قلبك عند الطاعة، ويوهمك أن الأعراض تزداد؛ فلا تلتفتي إليه، وداومي على القرآن ولو بآية واحدة؛ فإن القليل المستمر أحب إلى الله من الكثير المنقطع، وثابري على الفريضة أولا، ثم زينيها بذكر يسير يسكن قلبك، ولا تحملي نفسك ما لا تطيقين؛ فإن ربك لطيف، يقول: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.
وأما شدة الشهوة: فاعلمي أنها غريزة فطرية أودعها الله في الإنسان، وهي ليست شرا في ذاتها، بل نعمة إذا ضبطت بالحلال، وبلاء إذا تركت للحرام، وقد تشتد لأسباب كثيرة منها غياب التدين، ووجود الفراغ، أو المثيرات، أو القلق النفسي.
والعلاج يكون بالزواج إن تيسر؛ فإن لم يتيسر فبالصوم وغض البصر، مع إشغال الوقت بما ينفع، والابتعاد عن مثيرات النفس، وكلما استحضرت أن الصبر عنها يورثك عزة وطمأنينة، زاد ثباتك على الحق، وإننا ننصحك ببرنامج شرعي تربوي عملي للتعافي والثبات، وهو:
1. الصلوات: التزمي بالفرائض في وقتها، وأكثري من قولك: "اللهم ارزقني اليقين واصرف عني الوسواس والشهوة الحرام".
2. القرآن: قراءة جزء أو نصف جزء يوميا بتدبر، أو ما تطيقينه من القراءة.
3. الأذكار: واظبي على أذكار الصباح والمساء، ولو المختصر منها (آية الكرسي + المعوذات).
4. الصوم والرياضة: إن لم يتيسر الزواج، فاجعلي الصوم عادة أسبوعية (مثلا الاثنين والخميس).
5. مارسي رياضة يومية؛ فهي تفرغ الطاقة، وتعين على صفاء النفس.
5. النفس والعزيمة: لا تحاوري الوسواس، بل اقطعيه بعمل أو ذكر.
6. الصحبة والبيئة: ابتعدي عن المثيرات البصرية والسمعية، والزمي صحبة صالحة تعينك على الذكر، وتذكرك بالله، ولا تنعزلي.
7. التداوي الطبي: لا تهملي العلاج النفسي أو الطبي إذا نصحك به أهل الاختصاص، فهو من الأخذ بالأسباب المشروعة.
نسأل الله أن يحفظك، وأن يعافيك، والله الموفق.
_____________________________________
انتهت إجابة الشيخ الدكتور: أحمد المحمدي، المستشار التربوي.
وتليها إجابة الدكتور: مأمون مبيض، المستشار النفسي.
_____________________________________
نرحب بك -أختنا الفاضلة- مجددا عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال الجديد.
أختي الفاضلة، اطلعت على سؤالك هذا، والأسئلة السابقة، وخاصة رد الدكتور أحمد المحمدي على سؤالك هذا.
أولا: نحن لا نحتاج أن نجمع كل الأعراض والعلامات في مرض واحد، أو اضطراب واحد؛ ففي كثير من الأحيان يمكن رد الأمور إلى أكثر من عنوان.
فأولا: من خلال سؤالك هذا، وطريقة طرحك، ومن خلال استجابتك للأدوية النفسية، فالمرجح عندي أنك تعانين من مرض نفسي، لكنه يستجيب للعلاج الدوائي، وهذا أمر جيد، وأنصحك بالمتابعة مع الطبيب النفسي؛ لأن الاضطرابات النفسية تمر بتبدلات وتغيرات قد تحتاج إلى تغيير الدواء، أو زيادة أو إنقاص الجرعة الدوائية؛ لذلك فالمتابعة القريبة مع الطبيب النفسي أمر محمود بإذن الله.
ثانيا: سلوكك الجنسي وما أسميته من الشهوة المستمرة أو الاستثارة الجنسية، نعم هو مرتبط بطبيعة الاستثارة التي مارستها من خلال متابعتك للإباحيات لعدد من السنوات، ويمكن مع وجود الدافعية والرغبة في التغيير أن تتمكني -بإذن الله عز وجل- من الابتعاد عن هذه الأمور، إلى أن تتوقفي عنها تماما -بإذن الله-.
الأمر الثالث والأخير: أرجو أن يكون في جوابي ما يقنعك أنك لا تعانين من اضطراب إيماني أو روحاني، وإنما هي أمور نفسية وسلوكية؛ لذلك أنصحك بما نصحك به الدكتور/ أحمد المحمدي، من العودة إلى القرآن الكريم والدعاء، وعدم هجرهما، فنحن لا نعالج المشكلة بمشكلة أخرى، فالقرب من الله عز وجل، والمحافظة على تلاوة القرآن والدعاء، والتوسل إلى الله عز وجل، بالإضافة إلى العلاج الدوائي والتغيير السلوكي، كل هذا يمكن أن يحسن كثيرا من ظروفك النفسية والحياتية التي تعيشينها لتنعمي بشيء من الهدوء والراحة.
أدعو الله تعالى لك بتمام الصحة والعافية.