أفكر في رفض تعييني كمدرسة فأنا محاسبة ولم أتكيف في التعليم!

0 6

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عملت مدة 15 سنة كرئيسة قسم المحاسبة في شركة، وكان راتبي جيدا، وأعشق مهنتي، وخلال هذه الفترة مرت الشركة بفترة ركود اقتصادي، وفي أثناء ذلك جاءتني فرصة للتدريس -عن طريق الصدفة- في مدرسة عمومية، درست هناك سنة واحدة، وكنت أعمل كمدرسة ومحاسبة في الوقت نفسه.

الآن تم انتدابي للعمل كمدرسة، لكنني لست راضية عن حالي، وأشعر أنني محاسبة جيدة ولا أرى نفسي في التعليم.

نفسيا لم أتمكن من التكيف مع التدريس، وأمر بضغط نفسي شديد، كما أهملت بيتي وأطفالي وزوجي بسبب اضطراري للعمل في المنزل، فمهنة التدريس شاقة جدا.

الآن أنا حائرة: هل أرفض التعيين وأبقى في مهنتي التي أحبها، أم أقبل التدريس وأعمل في مجال لا أحبه؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ضحى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

طبيعة الاختيار في مثل هذا المفترق لا شك أنها صعبة ومرهقة للنفس، ولكن لتحقيق أكبر درجة من الرضا، يحتاج الأمر إلى دراسة متأنية وواقعية، بعيدا عن الاندفاع أو الاستعجال.

وأهم ما يعينك على اتخاذ القرار الصحيح هو التفكير المتوازن، فلكل جانب إيجابيات وسلبيات، ويجب التعرف على ثقل الإيجابيات بالنسبة لحياتك وصعوبة السلبيات وتأثيرها عليها أيضا؛ لذلك نضع بين يديك خطوات تساعدك على التفكير المتوازن قبل اتخاذ القرار:

أولا: واقعك الحالي، أختي الكريمة، لا تحصري القرار بزاوية الحب والشغف فقط، بل بتوازن بين واقعك ومستقبلك واحتياجاتك كلها، وهذا أهم ما تحتاجينه الآن، أن تنظري إلى وضعك بعين عقلانية متوازنة، مع مراعاة الحاضر والمستقبل معا.

فأنت قضيت خمسة عشر عاما في مجال المحاسبة، وأصبحت خبيرة وبارعة فيه، وهذا رصيد مهم جدا لا يستهان به، المحاسبة بالنسبة لك ليست مجرد وظيفة، بل هوية ورضا داخلي، ثم جاءتك فرصة التدريس عن طريق الصدفة، فدخلت المجال لسنة واحدة، لكنك لم تجدي نفسك فيها، وفي المقابل تشعرين أن التعليم مرهق، وامتد ضغطه إلى بيتك وزوجك وأطفالك، وشعرت أنه ليس مكانك الطبيعي، هذه المشاعر لا ينبغي تجاهلها وليست ضعفا منك، بل نتيجة طبيعية لعمل لم يصاحبه شغف أو رغبة.

ثانيا: المقارنة بين المحاسبة والتدريس، المقارنة الواضحة والمحددة تساعدك في اتخاذ القرار، مثال:

• المحاسبة: مجال تحبينه، تملكين فيه خبرة طويلة، وضغطه غالبا ينتهي مع نهاية الدوام؛ مما يتيح لك التفرغ لأسرتك، لكنه مرتبط أحيانا بالظروف الاقتصادية للشركات؛ مما يسبب عدم الاستقرار.

• التدريس: يضمن لك وظيفة رسمية مستقرة، ومكانة اجتماعية، وربما امتيازات تقاعد، لكنه يستنزفك نفسيا، ولا تجدين فيه ذاتك، ويأخذ من وقتك وطاقتك وينعكس كل ذلك على نفسك وبيتك.

ثالثا: التفكير المستقبلي، هذا الأمر مهم جدا؛ فالقرار الذي تواجهينه ليس قرارا لسنة أو سنتين، بل قد يحدد مسارك لسنوات عديدة، فلا بد أن تراعي التالي:

• التعليم إذا لم يكن نابعا من حب، قد يتحول إلى استنزاف طويل الأمد، ويؤثر على صحتك وحياتك الأسرية.

• المحاسبة، مع رصيد خبرتك، يمكن أن ترتقي بها إلى مستوى جديد مثل فتح مكتب خاص، تقديم استشارات مالية، تدريب محاسبين جدد، أو حتى العمل كمستقلة في المستقبل؛ هذا يعني أنك تستطيعين أن تصنعي استقرارك بدل أن تنتظريه من وظيفة حكومية لا تحبينها.

رابعا: الأسئلة المباشرة المحددة؛ فمن أجل اتخاذ قرار مدروس، اطرحي على نفسك أسئلة مباشرة وواضحة مثل:

• ما الذي أبحث عنه أكثر: الاستقرار المالي أم الرضا النفسي؟
• قومي بعمل دراسة مالية لك ولأسرتك واكتبي كم تحتاجين شهريا؛ هل المحاسبة وحدها تكفي؟ هل يمكنك توسيعها لمشاريع جانبية تضمن لك الأمان؟
• هل الشغف وحب المحاسبة كاف لأجعلها مهنة حياتي أم هناك التزامات أخرى مهمة؟

خامسا: الحلول الواقعية؛ من الصعب جدا اختيار حل مثالي من كل النواحي، لكن يمكنك تقليل السلبيات قدر الإمكان، وزيادة الإيجابيات، فليس عليك اختيار الأبيض أو الأسود مباشرة مثلا، ومن المهم تحديد الأولويات عند اتخاذ القرار؛ لذلك ابحثي عن النقطة المحورية والأهم في حياتك المهنية، وانظري إليها بعين واقعية الآن وفي المستقبل، فمثلا:

• إذا كان الاستقرار المالي الآني هو الأهم لعائلتك، سيكون التدريس خيارا عمليا، على أن تبقي المحاسبة حاضرة كمجال جانبي تتطورين فيه تدريجيا، وهذا خيار يجمع بين الاثنين.

• أما إذا كان شغفك وهويتك أهم، وأنت متأكدة أن المحاسبة قادرة -بإذن الله- على أن تؤمن لك حياة كريمة، فاختيار المحاسبة سيكون صائبا؛ لأن المهنة التي تحبينها تعطيك الرضا والطاقة على المدى الطويل.

• لكن تذكري دائما: الوظيفة ليست مجرد راتب، بل جزء من حياتك اليومية وهويتك. وظيفة تنهكك نفسيا، وقد تترك أثرا أكبر من أي مكسب مادي.

أخيرا: لا تتجاهلي أهمية اللجوء إلى الله تعالى خلال كل مراحل اتخاذ القرار، فالاستخارة والدعاء لله تعالى أمر مهم لتحقيق الاستقرار النفسي، وبالتالي القرار المتزن والواعي.

كذلك لا تنسي استشارة من سبق ومر بمثل هذه التجربة أو عاشها، واستفيدي من نظرته وكيفية اتخاذه القرار.

وفقك الله ويسر أمرك.

مواد ذات صلة

الاستشارات