أصبحت أوسوس وأشك حتى في أقرب الناس إليّ، فما علاج ذلك؟

0 7

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب متزوج، ولدي بنت -حفظها الله-، أعاني من احتراق نفسي لا يطاق، أصبحت شخصا كثير القلق من كل شيء، وأشك في كل شيء، حتى وصلت إلى مرحلة أشك فيها في أهل بيتي، رغم أنني أقسم بالله أن الله رزقني بعائلة رائعة، والحمد لله عليها.

لكن للأسف، تأتيني أفكار غريبة جدا، وأتخيل وأرسم مواقف في ذهني بأبشع صورة، مما يؤثر على بيتي ويسبب الكثير من المشاكل، رغم أنني أعلم أنها مجرد أوهام في عقلي وليست حقيقة، ثم يأتيني تأنيب ضمير شديد يجعلني أبكي وأتساءل: لماذا أنا في هذه الحالة؟

هذه الوساوس جعلتني شخصا كئيبا، لا يضحك، دائم الشجار، وعندما أكون في العمل، أستمر في التفكير والوسواس، وأتخيل مواقف تؤثر على عملي وقراراتي، رغم أنني مدير شركة، ومن المفترض أن أكون ملتزما وأتحمل مسؤولية كبيرة، لكن حالتي النفسية تؤثر على كل ذلك.

الحمد لله، أنا أصلي وأردد الأذكار، ولكن الوساوس تأتيني حتى أثناء الصلاة، حياتي أصبحت روتينا يوميا: نفس الأفكار، نفس الوساوس، نفس الشكوك، حتى في أقرب الناس إلي، دائما أتوقع الأسوأ، وأخشى أن يحدث مكروه لعائلتي.

دائما أشعر أن زوجتي لم تعد تحبني كما كانت، رغم أنني أعلم أنها تحبني، وهذا يؤثر على علاقتنا ويسبب الكثير من المشاكل، ونفس الشيء مع أهلي، أصبحت كثير الشجار معهم.

أرجوكم، أفيدوني، أنا فعلا متعب ومرهق نفسيا جدا، وأتمنى أن أعود شابا طبيعيا، ناجحا في بيته وعمله ومع أهله، أتمنى أن أعود قادرا على تكوين علاقات، والتحدث، وفتح مواضيع للنقاش، كل هذا اختفى من حياتي.

هذه الحالة جعلتني مدخنا شرها، وأنسى كثيرا جدا، أرجوكم، ساعدوني لأعود إنسانا طبيعيا، لأنني خائف أن تدمر هذه الحالة بيتي وحياتي.

شكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والشفاء، ونشكرك على الثقة في هذا الموقع.

مما أوردته في رسالتك، الذي يظهر لي أنك تعاني من درجة بسيطة إلى متوسطة من القلق الوسواسي الشكوكي، وهذا بالفعل يؤدي إلى عسر كبير في المزاج وعدم ارتياح كما وصفته.

أيها الفاضل الكريم: طبعا الشيء المثالي هو أن تذهب وتقابل طبيبا نفسيا، فهذه الحالة حالة بسيطة، وعلاجها ليس بالصعب أبدا، أنت محتاج لأدوية فعالة مضادة لهذه الحالة، والحمد لله الأدوية متوفرة وهي سليمة، فإن استطعت أن تذهب إلى طبيب نفسي فهذا أفضل، وإن لم تستطع يمكن أن أوجهك إلى بعض الأدوية المفيدة والجيدة.

هنالك علاج يسمى (فافرين) هذا اسمه التجاري، واسمه العلمي (فلوفوكسامين)، جرعته حتى (300 ملغ) في اليوم، لكني أعتقد أنك تحتاج إلى الجرعة الصغيرة، وهي (100 ملغ) في اليوم.

جرعة البداية تكون (50 ملغ) ليلا لمدة عشرة أيام، ثم تجعلها (100 ملغ) ليلا وتتناولها لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها (50 ملغ) ليلا لمدة شهر، ثم (50 ملغ) يوما بعد يوم، لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

وهنالك دواء داعم أيضا يسمى (أريبيبرازول)، أريدك أن تتناوله بجرعة (5 ملغ) يوميا في الصباح لمدة ثلاثة أشهر، ثم تتوقف عن تناوله، وكلا الدوائين من الأدوية الفاعلة والممتازة جدا لعلاج مثل هذه الحالات.

بجانب ذلك، طبعا دائما الإنسان لا يخوض في الوساوس، ولا يحللها، ولا يسترسل معها، بل يجب أن تتعامل معها على أسس سلوكية صحيحة، وهنالك ثلاث أسس سوف أذكرها لك:

أولا: قسم هذه الوساوس إلى مجموعات، ثلاث أو أربع مجموعات مثلا، واكتبها في ورقة، ابدأ بالمجموعة الضعيفة، ثم بعد ذلك انتقل حتى تنتهي بأشد الوساوس لديك، ثم بعد ذلك تخير المجموعة الأولى وطبق عليها ثلاثة تمارين، وبعد أن تطبق التمارين الثلاثة على هذه المجموعة تنتقل بعد ذلك للمجموعة الثانية، والثالثة، إلى أن تنتهي من حصتك العلاجية السلوكية، والتي يجب أن تمارسها داخل الغرفة وفي مكان هادئ وتخصص لها زمنا.

التمرين الأول هو ما نسميه (التحقير والتجاهل): استجلب الفكرة الوسواسية لفترة قصيرة جدا، وتأملها كأنها متجسدة أمامك، وخاطبها مخاطبة مباشرة قائلا: "أنت فكرة حقيرة، أنت تحت قدمي، أنا لن أهتم بك أبدا" وهكذا، تكرر هذا بقوة وشدة لمدة دقيقة إلى دقيقتين.

ثم تنتقل للتمرين الثاني، وهو ما نسميه بـ (صرف الانتباه): صرف الانتباه يعني أن تأتي بشيء جميل طيب يعاكس لهذه الفكرة الوسواسية، وعلى مستوى درج الأفكار في الدماغ سوف تهيمن وتسيطر الفكرة المرغوب فيها التي استجبلتها، وتجعل الفكرة الوسواسية في درجة أدنى في مسلسل التفكير لديك، فمثلا تأمل في شيء جميل في حياتك (طفلتك، أو أي شيء جميل) وركز على ذلك كثيرا، واجعله بديلا للوسوسة.

التمرين الثالث نسميه (التنفير): والتنفير هو أن تأتي بشيء غير مرغوب فيه للنفس الإنسانية، مثلا: أن تقوم بالضرب على سطح صلب -كسطح الطاولة مثلا- قم بالضرب على يدك بقوة وشدة على سطح الطاولة، وفي نفس الوقت عليك أن تفكر في الفكرة الوسواسية، وتكرر هذا التمرين عشرين مرة.

ويمكن لهذا التمرين أن يمارس بطرق أخرى، مثلا: أن تتأمل أن هناك حادثا فظيعا حدث أمامك (حادث مروري)، وفي نفس الوقت تأتي بالفكرة الوسواسية، أو مثلا: إذا وجدت مثلا رائحة كريهة تقوم بشمها، وفي ذات الوقت تفكر في الفكرة الوسواسية.

لا بد أن يكون هناك ربط دقيق بين الشيء المكروه -الشيء الذي لا تحبه النفس والمؤلم للنفس- والفكرة الوسواسية.

إذا هذه التمارين الثلاثة رائعة جدا، أرجو أن تطبقها بجانب تناول الدواء.

والأمر الآخر -وهو الثالث- هو: أن تعيش الحياة بإيجابية ومتعة، أن تحسن إدارة وقتك، أن تتجنب السهر، وأن تتوقف عن التدخين طبعا؛ لأن النيكوتين يعتبر مثيرا جدا، وله أضرار كثيرة من الناحية النفسية بجانب الناحية والجسدية.

احرص على واجباتك الاجتماعية والدينية، واحرص على القراءة والاطلاع، وكذلك على التطوير المهني، وكن شخصا فاعلا في عملك وفي أسرتك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ولله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات