السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا مخطوبة، وخطيبي أخبرني أنه بعد الزواج لا يقبل أن تزورني أي من صديقاتي أو قريباتي (بنات أعمامي أو أي فتاة عموما) في بيتنا، ويقول إنه لا يسمح إلا لأختي فقط بزيارتي، وهو يرى أن من ترغب في رؤيتي من صديقاتي أو قريباتي يمكنها أن تراني في بيت أهلي فقط، أما بيت الزوجية فلا يسمح لأحد الدخول إليه؛ لأن البيت بيته، وهو من يضع قواعده!
هذا الأمر يضايقني كثيرا ولا أستطيع تقبله، وأعلم أنه من حقه أن يمنعني من استقبال قريباتي وصديقاتي في بيتي بعد الزواج، لكنني لا أستطيع قبول ذلك، فكيف أتعامل مع الموقف؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
حياك الله، وشرح صدرك، ونسأل الله أن يرزقك الزوج الصالح الذي تسكنين إليه، وتجدين معه المودة والرحمة.
ما ذكرته من موقف خطيبك، يحتاج إلى ترو وتفكير عاقل بعيد عن الانفعال؛ لأنه يمس جانبا مهما في الحياة الزوجية، وهو الحدود بين حق الزوج في بيته، وحق الزوجة في التواصل الاجتماعي وصلة الأرحام، خاصة في الأيام الأولى من الزواج، والتي يظهر فيها كل من الطرفين متمسكا بما نشأ عليه من عادات وتربية في بيت والديه؛ لذا مهم في هذه المرحلة الوصول إلى حد من التفاهم، وإن لم يكن مرضيا لكل الطرفين، ودعيني أوضح لك الأمر من ثلاث زوايا، شرعية، نفسية، وعملية:
أولا: من الجانب الشرعي: البيت بعد الزواج يعد بيت الزوجية المشترك بينكما، والزوج هو القائم على القوامة والتنظيم العام، قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء} [النساء:34] وهي قوامة رحمة وعدل وتدبير، والنبي ﷺ قال: خيركم، خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي [رواه الترمذي] فمن حسن العشرة أن يشعر الرجل زوجته بالراحة الاجتماعية، وألا يقطعها عن أهلها وصديقاتها بلا مبرر شرعي، أو منطقي، وفي المقابل، الإسلام حفظ للزوج حقه في أن ينظم من يدخل بيته، حتى لا يؤذى أو تخترق خصوصياته، وخلاصة هذه العلاقة جمعتها وصايا النبي ﷺ في حجة الوداع كما في حديث عمرو بن الأحوص الجشمي: ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن. [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].
فالأصل إذا: التوازن: لا عزلة تامة للمرأة عن الناس، ولا انفتاح يزعج الزوج، أو يخل بأمن البيت وراحته، والزوج هنا لم يمنعك من جميع أنواع التوصل، إنما من جزئية معينة، ولعل له أسبابه التي يراها منطقية، ولكن لا نستعجل.
ثانيا: من الجانب النفسي: النساء بطبيعتهن يحتجن للتواصل والأنس والصحبة، ولعل المنع يكون وراءه دافع نفسي لدى الزوج: إما الغيرة الزائدة، أو الخوف عليك، أو الخصوصية التي يريدها كل رجل في بدايات زواجه، لذلك يحتاج أن يفهم لا أن يهاجم، ومثل هذا يعالج بجلسات النقاش الهادئة مع الزوج، والتي تفهمين من خلالها دوافعه لمثل هذه القرارات، وأيضا هو لم يمنعك من الالتقاء بهن تماما، بل سمح لك بمقابلة الجميع في بيت أهلك، وهذا يشكر له، ومع الأيام سيتغير قراره، هذا فقط في بدايات الزواج، بعض الأزواج يقرر هذا، من باب الخوف على زوجته وعلى بيته، فتفهمي قصده تسهل المشكلة لديك.
ثالثا: الحلول العملية الواقعية: إليك خطوات عملية للتعامل مع الموقف بحكمة وهدوء:
- اختاري الوقت المناسب للحوار: قبل الزواج الأفضل عدم فتح الباب للنقاش، ووافقي على طلبه، لأن مرحلة الخطوبة إذا كثرت فيها النقاشات والخلافات ستفسد الحياة الزوجية قبل الدخول فيها، والمؤمن اللين السهل تسهل أموره، بعد الزواج بمدة يمكنك فتح النقاش بطريقة ذكية، ولا تجعلي النقاش وقت انفعال أو حزن، بل حين يكون متقبلا للكلام، ابدئي معه من باب المشاركة لا المعارضة، قولي مثلا: "أحب أن أفهم وجهة نظرك أكثر؛ لأن وجود أهلي وصديقاتي حولي يعطيني راحة، وأنا أريد أن أعيش معك بطمأنينة وبدون أي خلاف".
- اطلبي منه أن يشرح سبب الرفض تحديدا: هل هو خوف من التطفل؟ أم غيرة؟ أم يريد خصوصية أكثر؟ إذا عرفت السبب الحقيقي، ستعرفين كيف تعالجينه.
- اقترحي حلولا وسطا: بأن تحددي عدد الزيارات أو مواعيدها مسبقا، أو أن تكون الزيارات في غرفة معينة دون أن يختلط أحد به، أو أن يسمح لصديقات محددات معروفات بحسن الخلق.
- أشعريه بالأمان: بيني له أنك تفهمين حرصه، ولكنك أيضا تحتاجين للتواصل الإنساني الطبيعي، وأنك لا تودين أن يسبب هذا المنع فجوة بينكما مستقبلا.
- استعيني بالاستخارة والمشاورة: صلي ركعتي الاستخارة بصدق، واسألي الله أن يقدر لك الخير حيث كان، ومن حرصك تشاورت مع موقعك (إسلام ويب).
- تذكري أن الزواج سكن ورحمة، والحكمة أن تتركي هذا النقاش الآن، إلى أن ييسر الله بالزواج، ثم بعد ذلك بحكمتك وذكائك تصلين لهدفك، فالكلمة اللينة تفتح ما لا تفتحه المواجهة.
نسأل الله أن يشرح صدرك للقرار الصائب، ويقدر لك الخير حيث كان، ويرزقك زوجا يجعل بيتكما عامرا بالمودة، والرحمة، والانفتاح المتوازن الذي يرضي الله تعالى قبل كل شيء.