ينتابني شعور الكراهة تجاه والدي بسبب إحباطه لنا وقسوته علينا!

0 2

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب أبلغ من العمر 18 عاما، وقد عانيت كثيرا في علاقتي مع والدي، فهو طيب مع الناس، لكنه قاس معنا، ويترك الآخرين يعتدون علينا دون أن يدافع عنا، بل يعادينا إذا دافعنا عن أنفسنا أو عن حقوقنا التي أباحها الله لنا، أحيانا تحدث مشاجرات بيني وبينه بسبب هذه الأمور، لكنني لا أرد عليه، بل أكتفي بالصمت، وأحيانا أقول له: إن ما أفعله ليس حراما، فيخاصمني لأيام، ثم أعود لأعتذر منه وأخبره أنني مخطئ، رغم أنني أعلم أنني لست كذلك.

يسخر مني دائما، ولا يشجعني على النجاح، بل يحبطني في كل خطوة أحاول أن أخطوها، ومنذ صغري كان يتركني دائما وحيدا؛ مما جعلني أشعر بالعزلة.

بسبب كل هذه الأمور، ومشاكل أخرى، بدأ يتكون في قلبي شعور بالكراهية تجاهه، وأحيانا أدعو عليه، فهل يعد حراما أن أكرهه في قلبي؟ وهل الدعاء عليه يعد إثما؟ أحيانا من شدة الكبت، أفضفض للناس وأخبرهم أنني أكرهه، فهل هذا أيضا حرام؟

كما أنني أعاني من وسواس قهري في هذا الموضوع، وأخاف أن أصبح مثله، وإذا قمت بشيء يشبه تصرفاته، أكره نفسي وألومها وأحتقرها، وقد يصل الأمر إلى انهيار عصبي، فهل من الممكن أن يجعلني الله مثله، رغم أنني أدعوه كثيرا ألا أكون كذلك؟ وما هو الحل المثالي لحالتي، حتى لا أكون مثله، ولا آخذ إثما عليه؟ أحيانا من كثرة الكبت أنفجر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ابني العزيز: أسأل الله أن يفرج همك، ويشرح صدرك، ويهدي قلبك، ويصلح حالك وحال والدك.

ما تمر به ليس بالأمر السهل، وأقدر مشاعرك ومعاناتك، فالعلاقة بين الأبناء والآباء قد تكون أحيانا معقدة، خاصة عندما تتداخل فيها مشاعر الحب، الاحترام، الألم، والإحباط، وسأحاول أن أقدم لك نصيحة نافعة- بإذن الله-:

أولا: لا بد أن نعلم أن بر الوالدين واجب مهما كانت الظروف، فالله سبحانه وتعالى أمرنا ببر الوالدين حتى لو كانا قاسيين، أو ظالمين، فقال: "وإن جاهداك علىٰ أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في ٱلدنيا معروفا" (سورة لقمان:15). هذا يعني: أن البر لا يعني الموافقة على الخطأ، بل التعامل بالحسنى والصبر.

ثانيا: الدعاء للوالدين وليس عليهما؛ فالدعاء على الوالدين ليس من البر، حتى لو كنت تشعر بالظلم، النبي ﷺ قال:"رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد" (رواه الترمذي)، لذا: حاول أن تدعو له بالهداية والصلاح بدلا من الدعاء عليه؛ فهذا سيخفف من مشاعر الكره في قلبك.

ثالثا: التعامل مع الكره في القلب، فالكره شعور طبيعي قد ينشأ نتيجة الألم، لكن الإسلام يدعونا إلى تطهير قلوبنا من الضغائن، قال الله تعالى:"ولا تستوي ٱلحسنة ولا ٱلسيئة ٱدفع بٱلتي هي أحسن فإذا ٱلذي بينك وبينهۥ عداوة كأنهۥ ولى حميم" (سورة فصلت:34).

حاول أن تستبدل الكره بالدعاء له؛ فهذا سيمنحك راحة نفسية، هذا الأدب القرآني مع الشخص الغريب، فما بالك مع القريب لا سيما الوالد؟!

رابعا: خطوات عملية للتعامل مع والدك:
. اختر وقتا هادئا للحديث معه، وعبر عن مشاعرك بلطف واحترام، قل له: "أبي، أنا أحبك وأريد أن تكون علاقتنا أفضل، أشعر بالحزن عندما تحدث هذه الأمور".

. استخدم عبارات تبدأ بـ "أنا أشعر" بدلا من "أنت تفعل"؛ لتجنب إثارة الدفاعية لديه.

. مارس الرياضة أو الأعمال الحركية لتفريغ الطاقة السلبية.

. استخدم الكتابة كوسيلة للتعبير عن مشاعرك بدلا من الفضفضة للناس؛ حتى لا تقع في الغيبة.

. ادع الله أن يصلح حال والدك وحالك، وكرر دعاء النبي ﷺ:"اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي".

. إذا استمر الوضع وأثر على صحتك النفسية، لا تتردد في استشارة مستشار نفسي إسلامي، أو داعية موثوق.

. ركز على تطوير نفسك وتعليمك، ولا تدع إحباط والدك يثنيك عن تحقيق أهدافك.

. تذكر أن الله ينظر إلى نيتك وسعيك، وليس إلى كلام الآخرين.

. إذا كنت تعاني من وسواس قهري حول أن تصبح مثل والدك، فهذا يتطلب منك أن تذكر نفسك بأنك شخص مستقل، وأنك تختار أفعالك بإرادتك، غالبا هذه الأفكار لا ترقى إلى مستوى الوسواس القهري، ولكنها أفكار ضاغطة بسبب وضعك الحالي مع والدك، بمجرد أن تتحسن العلاقة بينكما ستخف أو تختفي هذه الأفكار.

. بالنسبة للتعامل مع الانهيار العصبي خذ وقتا للراحة عندما تشعر بالضغط.

. مارس تمارين التنفس العميق وذكر الله لتهدئة نفسك.

ابني العزيز: تذكر أن الله يختبرنا في هذه الحياة، وأن الصبر والاحتساب هما مفتاحا النجاح، قال الله تعالى: "إنما يوفى ٱلصـٰبرون أجرهم بغير حساب" (سورة الزمر:10).

أسأل الله أن يرزقك الصبر والحكمة، وأن يصلح حال والدك، وأن يملأ قلبك بالسلام والرضا.

اللهم اجعل هذا الشاب من البارين بوالديه، واهد قلب والده، وأصلح بينهما، وامنحهما السكينة والمحبة، اللهم اجعل قلبه مطمئنا بذكرك، ووفقه لما تحب وترضى. آمين.

وفقك الله.

مواد ذات صلة

الاستشارات