أشعر بضيق كبير بسبب ذنوبي وخاصة الغيبة..فهل من نصيحة؟

0 4

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

صراحة لا أعرف من أين أبدأ، فأنا فتاة عمري 19 سنة، في السنوات الخمس الأخيرة مررت بفترة صعبة جدا في حياتي، ووقعت في ذنوب صغيرة وكبيرة، وابتعدت عن الله، والآن أشعر أني أتحسن من الناحية الإيمانية، ولكن منذ رمضان الماضي وأنا أشعر بضيق كبير في صدري، ودائما أفكر بأن الله لن يقبل توبتي، وأنني لا أستحق أشياء كثيرة، وأنني سأحاسب على كل ذنوبي، وخصوصا الغيبة.

من أظن أني اغتبته، وقدرت التواصل معه، اعتذرت له، ولكن هناك أناس لا أستطيع أن أعتذر لهم وأستحلهم؛ خوفا من المشاكل، وبالأخص فتاتين، واحدة لا أدري إذا كنت قد اغتبتها أم لا، فقد حصل خلاف بيني وبينها، وأنا اشتكيت لصديقاتي اللواتي لا يعرفنها، ولا يعرفن أي شيء عنها؛ لأننا في بلاد مختلفة، فأخاف أن تكون هذه غيبة، وأخاف من حصول مشاكل أخرى لو استحللت منها.

والأخرى غير مسلمة، وهي ربما تكون ملحدة، أو بوذية، أو شيئا من هذا القبيل، هي أيضا ظلمتني، وأذكر أنني قلت شيئا عنها، ولكن من المستحيل أن أصارحها في الموضوع؛ لأنها حساسة جدا، وقد تحدث مشاكل بيننا مرة أخرى.

وأناس لا أذكر إذا كنت قد اغتبتهم أم لا، وأنا خائفة جدا من هذا الموضوع، فقد تبت، ولكن دائما أفكر في ذلك أحيانا، ولا أستطيع أن أفعل أي شيء، ما عدا التفكير، وليس في موضوع الغيبة فحسب، ولكن كل الذنوب التي اقترفتها في الماضي جميعا، أشعر أن قلبي ثقيل، ولا أستطيع التركيز في أي شيء، أنا خائفة من العذاب، ولكن لا أدري ما الذي يجب علي فعله؟

كلما فكرت في هذه المواضيع، أشعر أنه ليس هناك أي فائدة من أي شيء أعمله، أحاول أن أصلي، ولكن لا أخشع، وأحاول أن أقرأ القرآن، ولكن أخاف جدا من آيات العذاب، ولا أستطيع أن أكمل الحفظ أو التدبر.

أشعر أن هذا الموضوع يبعدني عن الله أكثر وأكثر، وحياتي صعبة جدا الآن؛ فموضوع العذاب، وعدم المغفرة، هو كل ما أفكر فيه حرفيا، وأنا نادمة على كل شيء.

أرجوكم ساعدوني، وجزاكم الله كل الخير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تائبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولا: قبل الإجابة أهنئك بالعودة إلى الله تعالى، والتوبة النصوح، فمهما مر الإنسان بذنوب ومعاص صغيرة وكبيرة، وابتعد عن الله، ثم تاب، وأناب، واستغفر؛ فإن الله يقبل التوبة، كما قال تعالى: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون) (الشورى25) وقال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا علىٰ أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ۚ إن الله يغفر الذنوب جميعا ۚ إنه هو الغفور الرحيم) (الزمر53) ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) صحيح ابن ماجة.

‏ثانيا: لا داعي لهذا القلق من عدم قبول التوبة؛ فإن القنوط من رحمة الله صفة القوم الكافرين (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (يوسف87) فعليك بإحسان الظن بالله تعالى؛ فإنه سبحانه وتعالى أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين سبحانه.

‏أما بالنسبة لموضوع الغيبة؛ فالأصل عدم الغيبة إلا إذا تذكرت يقينا أنك فد اغتبت أحدا، وفي حال تذكرك لمن اغتبتها، فإما أن تستحليها، وتطلبي العفو منها، وفي حالة خشيت شدة العداوة بسبب إخبارك لها بذلك، فاستغفري لها، واذكريها بخير عند من اغتبتها؛ فذلك كفارة غيبتها، مع عدم العودة إلى غيبتها مجددا.

‏وأما هاتان الفتاتان اللتان أيضا اغتبتهن: فالمسلمة منهما استغفري لها، واذكريها بخير عند من اغتبتها في حال خوفك من إخبارها وطلب العفو منها أن تزداد العداوة، وأما الفتاة الكافرة أو البوذية أو الملحدة -على حسب كلامك في الرسالة- فانتهي عن ذكرها وكفى، وبدون استغفار لها؛ لكفرها، ولا سيما أنها قد ظلمتك، فيعتبر قصاصا، ولكن لا تنشغلي بها، ومن الأحسن تركها إن لم تدعيها إلى الإسلام؛ لأنه لا يجوز إقرارها وصداقتها وهي ملحدة أو بوذية كافرة.

ثالثا: بالنسبة لتذكرك ذنوبا ماضية يسبب ضيقا وإحباطا: فيكفي فيها الندم، والتوبة، والاستغفار، وأما الذي يجب عليك فعله فأمران: التوبة النصوح، وعدم اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى، بل وعليك إحسان الظن بالله تعالى؛ فلا يتحول خوفك من الله إلى مرض نفسي ويأس، بل أبشري برب كريم رحيم، وفي الحديث القدسي يقول تعالى: (أنا عند ظن عبدي به فليظن بي ما يشاء) متفق عليه. فأحسني الظن بالله تعالى؛ فهو سبحانه أرحم بنا من أمهاتنا.

رابعا: عليك بالصلاة وإن لم تجدي خشوعا؛ فإن مع كثرة الصلاة، والعودة إلى الله، وقراءة القرآن، ينشرح الصدر -إن شاء الله-، ولا سيما مع كثرة قراءة القرآن الكريم، وقد قال بعض السلف: "تقرب إلى الله بما استطعت، فلن تتقرب إلى الله بأفضل مما خرج منه سبحانه، وهو كلامه جل وعلا، ومنه القرآن الكريم".

وأحسن عبارة ختمت بها رسالتك هو قولك: "أنا نادمة على كل شيء" فما يدريك يا أمة الله أن الله تعالى أجابك بقوله (وأنا أغفر الذنوب كلها) والندم توبة، كما قال رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-.

وفي الأخير: أسأل الله تعالى أن يشرح قلبك، وينورك بنور الإيمان، والهداية، والاطمئنان، وأن يبعد عنك الإحباط واليأس، اللهم آمين.

مواد ذات صلة

الاستشارات