السؤال
السلام عليكم.
أنا طالب، وفي بلدي لا يوجد إلا مدرسات نساء يدرسن مادة الأحياء، ومدرس لكنني لا أعرفه، وسآخذ وقتا لكي أدرس معه؛ فأنا أتعلم الدروس "أونلاين"، ولو اكتفيت بها ستكون كافية -بإذن الله-، ولكن أبي لا يريد، وقد يتضايق فيرسلني إلى بلدة أخرى لكي أدرس عند مدرس عنده نساء سكرتيرات، فكيف أغض بصري عند التحدث معهن؟
كما أن هذه البلدة يكثر بها النساء، وعندما أنظر إلى الأرض أحيانا فإني أرى أجزاء من جسد النساء الذي أراها تثيرني، فما الحكم؟ وماذا أفعل؟
بارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ولدنا الكريم- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخيرات، ويقيك شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
نحن ندرك –أيها الحبيب– مدى المعاناة التي تعيشها، وحاجتك إلى قدر كبير من الصبر لتحمي نفسك من شر الفتن.
نحن ندرك –أيها الحبيب– أن الصبر عن فتنة النساء أمر شاق، ويحتاج الإنسان فيه إلى مجاهدة كبيرة؛ لأن الله تعالى حبب هذا النوع من الشهوات إلى النفس الإنسانية، كما قال الله تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء}، وقد قال الرسول ﷺ: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
ندرك مدى المعاناة التي تعيشها، ولكننا في الوقت نفسه نبشرك بأن الأجر يزيد ويكبر ويعظم بقدر هذه المشقة، وبقدر المعاناة، فقد قال الرسول ﷺ لزوجته عائشة: أجرك على قدر نصبك أي على قدر تعبك.
فاستعن بالله، فالله تعالى خير معين، وقد قال الرسول ﷺ: ومن يستعفف يعفه الله، واعتصم بالله، فقد قال الله تعالى في سورة النور، وهي السورة التي تعلم الإنسان الآداب الاجتماعية، ومنها الاستعفاف قبل الزواج لمن لا يقدر على الزواج، فقال سبحانه وتعالى فيها: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتىٰ يغنيهم الله من فضله}.
وأبشر، فإن الله تعالى سيكفيك بالحلال عن الحرام، ويغنيك من فضله كما أشارت هذه الآية، وخذ بالأسباب التي تعينك على الاستعفاف، ومن هذه الأسباب: حفظ جوارحك، فاحفظ سمعك عن سماع المثيرات، واحفظ بصرك عن المثيرات البصرية.
وقد أحسنت –أيها الحبيب– حين جاهدت نفسك لتغض بصرك عن النساء، فالله تعالى أمرك بذلك، وأخبرك بأنه هو طريق الطهارة، فقال سبحانه في سورة النور: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم}ـ فيجب عليك أن تغض بصرك عما يثير شهوتك.
وكما أشرت –أيها الحبيب– في سؤالك من أن الله تعالى جعل بدائل، ويسر أمورا للتعلم اليوم، ومعرفة ما تحتاجه من هذه الدروس، فيمكنك أن تعرف ذلك وأنت جالس في بيتك، فتتابع مقاطع التعليم مع مدرسين رجال، وتصل إلى المعلومة المطلوبة بشكل كامل.
ونحن على ثقة من أن والدك إنما يخاف عليك من التقصير، فإذا أثبت له جديتك، واستعنت بالله –سبحانه وتعالى– واجتهدت في تلقي هذه الدروس بشكل متقن، وحاولت أن تجعل لقاءك مع هذا المدرس الذي ذكرته لقاء يتميز بمراجعة الدروس السابقة، وليس بمجرد التلقي، والاختبار لمدى استيعابك لهذه الدروس، ومعرفة جوانب النقص فيها، وأثبت هذا لأبيك، وأنك قد درست هذه المادة بالشكل المطلوب الكامل، لا شك أن الوالد هنا سيوافقك في هذه الطريقة، بل وستخفف عنه أنت أعباء التدريس وتكاليف يدفعها للمدرسات الخصوصيات اللاتي يريد منك أن تدرس عندهن.
فهو حريص على مصلحتك ولا شك، ولكنه لم يوفق حين أصر على أن تدرس أنت لدى النساء وتتعرض لهذه المحنة وهذا الاختبار الكبير، فحاول إذا –أيها الحبيب– أن تقنع والدك بجدوى هذه الطريقة، وبين له بصراحة وبلطف ولين المحاذير الشرعية التي تتعرض لها أنت، وأنك شاب، وأن هذه المناظر تثيرك، وأنه وإن حصل نقص يسير في الطريقة الأخرى السالمة من المخالفات الشرعية، فإن الله تعالى سيجعل في ذلك فرجا ومخرجا وتيسيرا لكل خير.
هذا النوع من الحوار الصادق والصريح مع الأب، وإبداء الجدية والالتزام في أنك ستتلقى هذه الدروس بكامل العناية والجدية، وبذل نفسك للاختبار، وإعطاء الأب إشارات بأن هذا المدرس الذي ستلتقي به لقاءات يسيرة يمكن أن يعرضك للامتحانات والاختبارات، ويوافي والدك بنتائج دراستك عن طريق الإنترنت؛ كل هذا من شأنه أن يطمئن والدك ويوافقك –بإذن الله تعالى– على هذه الطريقة، وستجد فيها نفعا وكفاية.
كن على ثقة –أيها الحبيب– أنك إذا اتقيت الله سيجعل لك فرجا ومخرجا، كما قال في كتابه: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}.
وإذا أصر والدك بعد هذا كله على أن تذهب أنت للدراسة عند هؤلاء النساء، وأنك ستتعرض لهذه المحرمات، فلا يلزمك أن تطيعه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى هكذا قال الرسول الكريم ﷺ.
ومع عدم الطاعة للأب في هذا، ينبغي أن تكون مؤدبا، شديد الأدب، وأن تحرص على الإحسان والبر بأبيك بقدر الاستطاعة، وألا تغضبه بكلمة أو تصرف أو غير ذلك، وإنما تعتذر إليه بالامتناع للأسباب التي بيناها، وأنك لا تستطيع أن تفعل ذلك لأنك ستقع في معصية الله تعالى.
نسأل الله أن يوفقك لكل خير.