السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هناك سيدة تعرفنا منذ سنوات طويلة، ولها عادة غريبة جدا، وهو أنه إذا كان باب البيت غير مغلق بإحكام، نجدها فجأة داخل المنزل دون أي صوت أو استئذان، كأنها ظهرت من العدم! تفاجئنا دائما بوجودها، فنصدم كل مرة، إذ نجدها واقفة بجوارنا في الصالة أو الغرفة، دون أن تنطق بكلمة أو تصدر صوتا!
موقف يثير الضحك والضيق في الوقت نفسه، ومع ذلك، نعلم أن هذا الفعل غير جائز شرعا؛ لأن الدخول إلى بيوت الناس بلا استئذان محرم، لكن المشكلة أننا نتحرج من مواجهتها، أو أن نقول لها أي شيء قد يجرح مشاعرها، فكيف يمكننا التعامل مع هذا الموقف؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أختي الكريمة: يبدو أن ما تقوم به هذه السيدة تصرف نابع من الاعتياد والعفوية، لا من سوء قصد، ومع ذلك فهو تصرف غير لائق شرعا، ولا اجتماعيا؛ لأنه يتنافى مع أدب الاستئذان الذي أمر الله تعالى به، في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} [النور: 27] وقد كان النبي ﷺ يعلم الصحابة الاستئذان ثلاثا، فإن لم يؤذن لهم انصرفوا.
من الطبيعي أن يسبب هذا السلوك ضيقا لأهل المنزل، خاصة مع عنصر المفاجأة، لذلك المطلوب تصحيح السلوك دون كسر العلاقة؛ وذلك بأسلوب مهذب ومتدرج، يحفظ كرامة الجميع، وإني أقترح عليك بعض الحلول العملية، من ذلك:
- إغلاق الباب بإحكام دائما: دون إظهار أن السبب شخص محدد، حتى يصبح ذلك إجراء عاما للأسرة، الهدف: الوقاية دون إحراج.
- التنبيه غير المباشر بأسلوب لبق، كأن يقال عند زيارتها مرة: نحن نرتاح أكثر عندما نسمع صوت طرق الباب قبل الدخول، حتى نتهيأ لاستقبال الزائر، فهذه عبارة عامة لا تشعرها باللوم الشخصي.
- التكليف بالتنبيه من طرف أكبر سنا أو أكثر قبولا لديها؛ –كالأم أو أحد كبار العائلة-؛ ليتحدث معها بلطف، ويبين أن الدخول المفاجئ يسبب حرجا لأهل البيت.
- تذكيرها بآيات وأحاديث تحث على أدب الاستئذان بأسلوب رفيق؛ فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، ومن ذلك ما ورد عند أبو داود والترمذي وغيرهما أن رجلا قال: (دخلت على النبي ﷺ ولم أسلم ولم أستأذن، فقال النبي ﷺ: ارجع فقل: السلام عليكم أأدخل؟)، وورد في صحيح البخاري وعند الترمذي: أن رجلا اطلع على رسول الله ﷺ من جحر في حجرة النبي ﷺ، ومع النبي ﷺ مدراة يحك بها رأسه، فقال النبي ﷺ: لو علمت أنك تنظر لطعنت بها في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر.
- استخدام تلميح بصري لطيف مثل وضع لوحة على الباب مكتوب فيها: من فضلك استأذن قبل الدخول، فهي تذكير راق بلا مواجهة.
- الدعاء لها بالهداية والتوفيق؛ فالقلوب بيد الله تعالى، وقد يصلح الله تعالى بالرفق ما لا يصلحه بالعنف، أو المواجهة.
- علينا جميعا أن ندرس سورة النور؛ فإن بها من الآداب الجمة الجميلة، والتوجيهات الربانية الرفيعة التي تصلح القلوب والمجتمعات، وتطهر البيوت، وتغرس في النفوس خلق العفاف وغض البصر، وحفظ اللسان، وصيانة الأعراض، واحترام خصوصيات الآخرين، فهي سورة تربي على الطهارة الظاهرة والباطنة، وتقيم ميزان الأدب والحياء في حياة المسلم.
الخلاصة: من حقكم أن تحفظوا خصوصيتكم وأمن بيتكم، ومن واجبكم كذلك أن تقدموا النصح بالحكمة واللين، قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} [النحل: 125] فالجمع بين حفظ الحدود وصون العلاقة، هو الموقف التربوي الراشد في مثل هذه الحالات.
رزقنا الله وإياكم دوام البر، وحسن الخلق.