أشعر بالحسرة لأني أدعو ولا أرى استجابة لدعائي، فما نصيحتكم؟

0 1

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا مؤمنة بالدعاء جدا، وليس لي حيلة غير الدعاء، لكن في كل مرة أكون مضطرة فأدعو وأنا متفائلة بأن الله سيستجيب، ولا أرى الاستجابة!

أعلم أن الدعاء لا يضيع، وأنه يستجاب بواحدة من ثلاث طرق، لكن هذا الموقف يتكرر معي دائما، ولم أجرب بعد لذة استجابة الدعاء، و-الحمد لله- لا أتوقف عن الدعاء، وكل مرة أقول: في هذا خير.

لكن أحيانا تأتيني تساؤلات وأفكار أن أدعو أو لا أدعو؛ لأن عندي احتمالا كبيرا ألا يستجاب لي، وأشعر لحظتها أن إيماني يتزعزع، ثم أبكي كثيرا، وبعدها أستغفر الله، وأوقف هذه الأفكار، ولا أتوقف عن الدعاء، ويعود لي الأمل.

لكن فجأة تأتيني لحظة إدراك أن الله لم يستجب بعد، خاصة حين أسمع الناس يتحدثون عن استجابة الله لهم وخروجهم من مواقف صعبة؛ حينها أشعر بالحسرة؛ لأنني لم أجرب هذا الشعور من قبل.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مروة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يقدر لنا ولك الخير حيث كان، ويرضينا به.

وقد وفقت -ابنتنا العزيزة- حين أدركت أن الدعاء يستجاب بطرق مختلفة، وأنه ليس من ضرورة الاستجابة أن يعطى الإنسان ما طلب وسأل، وهذا هو ما قرره النبي ﷺ وأكد عليه، أن الاستجابة قد تكون بأن يصرف الله تعالى عنك من المكروهات والأقدار السيئة بقدر دعائك، وقد تكون بأن يدخر الله تعالى لك من الأجر بقدر دعائك، وقد تكون بأن يعطيك نفس الشيء الذي سألته.

ويبقى السؤال هنا -ابنتنا العزيزة-: أيهما أفضل لك لو خيرت بين أن يعطيك الله تعالى نفس الشيء الذي سألته في الدنيا، أو أن يدخر لك الثواب إلى يوم الحاجة إليه، يوم يتمنى الإنسان الحسنة الواحدة، وأن يدفع في مقابلها الدنيا وما فيها؟ لا شك أنك ستختارين ادخار الثواب ليوم القيامة، وهذا لعله هو ما يحصل لك بالضبط؛ فأنت تطلبين من ربك، والله تعالى قد يستجيب لك بالطريقة الأخرى.

فكوني مطمئنة، واثقة أن الله -سبحانه وتعالى- أرحم بك من نفسك، وأعلم بمصالحك، وأنه يقدر لك الخير، ولا يعجزه -سبحانه وتعالى- أن يعطيك ما تتمنينه وتسألينه، وهو على كل شيء قدير، ولا ينقص ذلك من ملكه شيئا -سبحانه وتعالى- فهو على ذلك قدير، وهو الغني الحميد، خزائنه ملأى، ويده سحاء الليل والنهار، لا تنقصها نفقة، ولكنه -سبحانه وتعالى- يفعل لك ما تقتضيه رحمته ولطفه بعباده.

فكوني مطمئنة إلى حسن تدبير الله تعالى، وحسن تصريفه للأمور، ولكن اجتهدي أنت في فعل ما هو مطلوب منك أنت، مطلوب منك أن تكوني متقية لله تعالى، بأداء فرائضه واجتناب محرماته، ومطلوب منك أن تحسني علاقتك بالله بالتوبة إليه، والرجوع من الذنوب والآثام.

ومطلوب منك أن تأخذي بما يتيسر لك من أسباب الإجابة، فتحري الأوقات الفاضلة التي يزيد فيها رجاء الإجابة، وإلا فالدعاء مطلوب في كل لحظة ومستجاب في كل وقت، ولكن هناك لحظات وأوقات يعظم فيها ويزيد الرجاء في استجابة الله تعالى مثل:

• الدعاء بين الأذان والإقامة.
• والدعاء في حال السجود.
• والدعاء في الثلث الأخير من الليل.
• والدعاء حال الصيام.
• الدعاء في السفر.
• ودعاء الوالدين.

فاجتهدي في تحري هذه الأسباب التي يزيد معها رجاء الإجابة، وأهم أسباب الإجابة أن تدعي ربك وأنت موقنة بأن الله تعالى يستجيب لك، ولو كنت عاصية؛ فإن الله تعالى استجاب لإبليس حين قال: {رب فأنظرني إلى يوم يبعثون} قال: {فإنك من المنظرين}، فاستجاب لإبليس، فكيف لا يستجيب لامرأة وفتاة مؤمنة مسلمة مثلك؟

عظمي رغبتك في عطاء الله تعالى وفضله، وأنه -سبحانه وتعالى- لا يعجزه شيء، وأنه لا يعامل العباد بأعمالهم، إنما يعاملهم بكرمه وجوده وإحسانه.

فدعاؤك مع هذا اليقين مستجاب، ولكن فوضي الأمور بعد ذلك في الاختيار إلى الله تعالى، فهو يختار لك ما فيه الخير، وارضي بما يقدره الله تعالى لك، فهو الخير لك، وإن كرهته، كما قال الله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

واحذري من أن يوصلك الشيطان إلى درجة اليأس، وهذا هو الذي يتمناه الشيطان بكل هذه الوساوس التي يأتيك بها؛ فإنه يريد أن يقطعك عن هذه العبادة العظيمة -وهي عبادة الدعاء- فإن الله تعالى ليس شيء عنده أكرم من الدعاء، كما قال رسول الله ﷺ.

وهذا الحال الذي أنت تتخوفين منه هو الحال الذي حذر منه النبي ﷺ حين قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، ثم فسر هذه العجلة بأنه يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي، فيستحسر ويدع الدعاء، يعني ينقطع عنه، فاحذري من الوقوع في هذه الآفة، فستحرمين خيرا كثيرا.

لا شك فيه -ابنتنا الكريمة- أن دعاءك لله تعالى بقلب حاضر موقن، لا شك أن هذه بنفسها عبادة جليلة كبيرة الأجر، عظيمة الأثر، بغض النظر عما كانت النتيجة - أعطاك ما تتمنين، أو صرف عنك مكروها، أو ادخر لك الثواب للآخرة - فإن هذا كله لا يزال خيرا عظيما، ومن أعظم ذلك الثواب على العبادة بنفسها، وهي عبادة التذلل لله، وسؤاله، والطلب منه، والإقرار بأنه هو الغني وأنت الفقيرة.

فهذه عبادات جليلة جدا ستجدينها في ميزان حسناتك يوم القيامة، فاحذري من أن يقطعك الشيطان عنها.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات