كلما انتكست أصاب بهم وغم عظيم، فهل من نصيحة؟

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة أبلغ من العمر اثنتين وعشرين سنة، كانت حياتي صعبة منذ طفولتي؛ إذ واجهت مشكلات أسرية لا تحتملها طفلة، وحتى عمري هذا ما زلت أعاني من أثر تلك الفترة، فلم أستطع أن أستقر في حياتي الشخصية أو الدينية، كنت دائما أعود إلى الله ثم أنتكس مرة أخرى.

منذ فترة وجيزة، وقع لي موقف جعلني في ليلة واحدة أعود إلى الصلاة، وأبدأ بقراءة سورة البقرة يوميا وجزء من القرآن، وعدت بقلبي كاملا إلى الله تعالى بدرجة لم أصل إليها من قبل في حياتي، تعمقت في تفسير القرآن، وقررت أن أفهمه لا أن أقرأه فقط، ثم دعوت الله في لحظة خالصة أن يبعث إلي رسالة من القرآن، ففتحت صفحة عشوائية فوجدت قوله تعالى: ﴿أقم الصلاة لدلوك الشمس إلىٰ غسق الليل وقرآن الفجر ۖ إن قرآن الفجر كان مشهودا﴾، فلما فهمت معناها، شعرت أنها رسالة من الله لي أن أقيم الصلاة وأستمر عليها.

ثم حدث اليوم أني انتكست مرة أخرى بشدة، حتى إني دعوت الله من قلبي أن لا أستكمل هذه الحياة، وكنت واثقة برحمة الله أنه سيعوضني خيرا، لكنني كإنسانة لم أعد أستطيع تحمل الحياة والناس، حتى وسط كرم الله، فاحتضنت القرآن الكريم فجأة وسط بكاء مميت، وطلبت من قلبي رسالة تنهي هذه اللحظة السوداء، فتحت صفحة عشوائية فإذا بي أجد قوله تعالى: ﴿ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسىٰ أن يبعثك ربك مقاما محمودا (79) وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا﴾، فبكيت بحرقة، ثم نظرت مرة ثانية لأجد أن هذه الآية تلي الآية التي فتحت المصحف عليها في المرة السابقة، فشعرت بيقين أن هذه رسالة عظيمة من الله، ولكني أريد أن أعرف وأفهم معناها أكثر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

نحن سعداء بتواصلك مع الموقع، وسعداء أكثر بفضل الله تعالى عليك، وما من به وأعطاك من التوفيق للرجوع إليه -سبحانه وتعالى- وتصحيح مسار حياتك؛ فهذا الإلهام والتوفيق للتوبة والرجوع إلى الله تعالى فضل كبير، وعطاء جزيل ينبغي أن تشكريه، ومن شكر الله تعالى عليه الثبات على التوبة والاستمرار عليها، وأن تأخذي بالأسباب التي تعينك على الدوام والاستمرار في طاعة الله تعالى، وعدم الرجوع إلى الذنوب والمعاصي.

وبداية نقول -أيتها الكريمة-: إن تقلب أحوال الإنسان بين الطاعة والمعصية هو في الحقيقة أمر طبيعي، فطري، فطر الله تعالى عليه الإنسان، هذا ليس تبريرا للذنب، وليس دعوة لارتكاب المعاصي، ولا ينبغي أن يفهم على هذا الوجه أبدا، فإننا مأمورون بطاعة الله تعالى، منهيون عن معصيته، ولكن إذا زل قدم الإنسان وضعفت نفسه وأغواه هواه وشيطانه، ينبغي أن يدرك أن هذه طبيعة الإنسان التي خلقه الله تعالى عليها.

وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ما من عبد إلا وله ذنب يعاوده الفينة بعد الفينة، ثم قال: إن الإنسان خلق مفتنا توابا نسيا، فهذه طبيعة الإنسان لخصها النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الكلمات الثلاث: أنه خلق مفتنا، أي عرضة للامتحان والفتنة والابتلاء والاختبار، وأنه تواب إذا وفقه الله تعالى للتوبة بعد وقوع الذنب والمعصية، فهذا فضل عظيم من الله تعالى، وأنه نسي كثير النسيان، ينسى فيعود للذنب.

وقد جاءت أحاديث كثيرة تحث على التوبة بعد الذنب، وإن فرض أن الإنسان بعد هذه التوبة زلت قدمه مرة أخرى، فالواجب عليه أن يجدد التوبة، فيتوب مرة أخرى، وفعله للذنب لا يبطل توبته السابقة ما دامت تلك التوبة مستوفية لأركانها، ومن أهم أركانها: الندم على ما فات، والعزم على عدم الرجوع إلى الذنب في المستقبل، وهكذا كلما أذنب الإنسان وجب عليه أن يتوب، فإذا زلت قدمه وضعف فرجع إلى الذنب، وجب عليه أن يجدد التوبة من جديد.

ولو أراد الله تعالى أن يخلقنا معصومين لخلقنا معصومين، ولكنه شاء -سبحانه وتعالى- أن يخلقنا على هذه الهيئة، ولذلك قال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم.

فلا تيأسي أبدا من رحمة الله تعالى، واعلمي أن التوبة يمحو الله تعالى بها الذنب السابق، بل ويبدل سيئات التائب حسنات، كما وعد بذلك في كتابه الكريم، فقال -سبحانه وتعالى- عن التائبين: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات}، وقال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

والنصوص في فضل التوبة وعظيم ثوابها وأثرها على حياة الإنسان في دنياه وآخرته كثيرة جدا، يكفيك أن الله تعالى يحب التوابين، وأنه -سبحانه وتعالى- كما أخبر عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفرح بتوبة عبده، وهذا الفرح من كرمه تعالى، يحب أن يعطي هذا العبد ويثيبه.

فكوني واثقة أن ربك رؤوف رحيم، وأنه أعلم بمصالحك، وأنه أرحم بك من نفسك، ارجعي إليه وأنت محسنة الظن به -سبحانه وتعالى- أنه يغفر لك ذنوبك السالفة، وكوني على ثقة أنك ما دمت على هذا الحال؛ فإن هذا الدعاء سيجعله الله تعالى سببا لتيسير أمورك وتفريج كروبك، فإنه من يسأل الله تعالى يعطه ويجبه، ولكن هذه الإجابة لها أشكال عديدة كما دلت على ذلك الأحاديث.

قد يعطيك الله تعالى ما تسألين، وقد يدخر لك الثواب إلى يوم القيامة، وقد يدفع عنك من المقدور المكروه بمثل ما دعوت به من الخير، وفي كل هذه الأشكال من الإجابة خير كثير لهذا الإنسان، والله تعالى يختار له أرشد الأمور وأحسنها، فهو -سبحانه وتعالى- أرحم بنا من أنفسنا وأعلم بمصالحنا، كما قال الله جل شأنه: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

وما ذكرته -أيتها البنت العزيزة- من الاستفتاح والتفاؤل بفتح المصحف الكريم، فقد كان كثير من العلماء ينهى عن هذا ولا يرى مشروعيته، ويرى فريق آخر من العلماء أنه لا بأس بأن يستفتح الإنسان بالقرآن الكريم ويتفاءل فيما لو بدت بشريات، وهذا الذي أنت وجدته من هذا النوع -إن شاء الله-؛ فإنك استفتحت المصحف ورأيت فيه من التوجيه إلى الصلاة والحفاظ عليها وإقامتها في أوقاتها، وهذا معنى جميل وحث رائع لتحافظي على صلواتك في أوقاتها، فإنها أهم أعمالك.

وأما الاستفتاح الثاني، فهو إرشاد إلى ما يخفف فعلا عنك عناء هذه الحياة، ويذهب عنك الهموم والغموم، وذلك باللجوء إلى الله تعالى، لا سيما في الأسحار، وكثرة دعائه -سبحانه وتعالى- والتهجد والتذلل بين يديه -سبحانه وتعالى- فهو خير نصير وخير معين.

فنحن نرى أنك -بإذن الله تعالى- تسيرين إلى خير، وأن ما يدخره الله تعالى لك خير كله، فداومي على ما أنت عليه من خير، ونسأل الله تعالى أن يتولى عونك وييسر أمرك.

مواد ذات صلة

الاستشارات