السؤال
ما علاج وسواس الضيق من الأوساخ، مثل الأكياس المنتشرة في الشوارع، والتراب والغبار؟ أشعر بالضيق الشديد من رؤية الأوساخ، أو من التعامل مع أشخاص لا يهتمون بالنظافة، خصوصا إذا لمسوا مقتنياتي أو صافحوني، أو إذا اضطررت إلى لمس أغراضهم.
منذ طفولتي، ترسخ في ذهني رفض تام لوجود الأوساخ في حياتي، وأشعر بانزعاج كبير منها، أرغب دائما أن يكون كل شيء حولي نظيفا: هاتفي، ملابسي، أماكن جلوسي ونومي.
أعاني أيضا من وسواس النجاسة، وأخاف من النجاسة والأوساخ معا، لكن ليس لدي فوبيا من انتقال الأمراض أو التلوث بسببها، بل هو وهم تشكل في عقلي منذ الصغر، حتى أصبح جزءا من طريقة تفكيري، بأن كل شيء يجب أن يكون نظيفا تماما: الملابس، الفراش، الهاتف، الأدوات الكهربائية، وحتى النقود.
أقوم بغسل الهاتف حسب ما يصيبه من أوساخ، وأغسل النقود بعد استلامها، وأمسح ريموت التلفاز والأشياء المعرضة للتلف بقطعة مبللة بالماء.
لا أعتقد أنني بحاجة إلى علاج دوائي، وأؤمن أنني -بإذن الله- قادر على التعافي مع مرور الوقت.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية.
أخي: قطعا هذا نوع من الوساوس، ولا نستطيع أن نقول أبدا إنها لا تحتوي على مخاوف، فهنالك مخاوف من الأوساخ، وربما تكون أيضا هنالك مخاوف من انتقال الجراثيم، على مستوى العقل الباطني، وليس على مستوى العقل الظاهري.
عموما، هي وساوس معروفة، وتعالج مثل بقية الوساوس، عن طريق الدواء، وعن طريق بعض التطبيقات السلوكية. في حالتك، الأمر راسخ منذ الصغر كما تفضلت، وهذا يتطلب منك النية القوية والصادقة، والعزم والإصرار الإيجابي على التخلص من هذه الوساوس. وأول نقطة هي أن تحقر هذه الوساوس، وأن تؤمن إيمانا قاطعا بسخفها، وأنها حقيرة، وأنها لا تستحق هذا الاهتمام، وأنها يجب ألا تكون جزءا من حياتك، وهذه هي النقطة الأساسية.
يجب أن تكون بدايتك بالدواء، نعم، الدواء مهم جدا جدا؛ لأن هذا النوع من الوساوس يحتاج لدواء، ولا شك في ذلك، أنت ذكرت أنك لا تعتقد أنك تحتاج لعلاج دوائي، أقول لك -مع فائق الاحترام والتقدير- لا، أنت تحتاج لعلاج دوائي مركز، نعم، وأتمنى ألا يكون الوسواس قد أقنعك أنك لا تحتاج لدواء.
ونبدأ في تفاصيل الدواء: سأختار لك واحدا من أفضل الأدوية، يسمى (فلوكسيتين - Fluoxetine)، هذا هو اسمه العلمي، وله عدة مسميات تجارية، أشهرها (بروزاك - Prozac).
تبدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة يوميا (أي: 20 ملغ) في الصباح لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعل الجرعة كبسولتين (40 ملغ) يوميا لمدة شهر، ثم اجعلها ثلاث كبسولات يوميا، (أي: 60 ملغ)، وهذه هي الجرعة العلاجية التي يجب أن تستمر عليها لمدة ستة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة أبدا.
بعد ذلك خفض الجرعة، اجعلها كبسولتين يوميا لمدة ستة أشهر أخرى، ثم اجعلها كبسولة واحدة يوميا لمدة ستة أشهر، وبذلك تكون قد أكملت عاما ونصفا وأنت على الدواء، وهذه ليست مدة طويلة أبدا.
بعد انتهاء مدة الستة أشهر وأنت على كبسولة واحدة، اجعل الجرعة كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.
هنالك علاج دوائي آخر مساعد للبروزاك يسمى (ريسبيريادون - Risperidone)، أريدك أن تتناوله بجرعة (1 ملغ) ليلا لمدة شهر، ثم اجعلها (2 ملغ) ليلا لمدة شهرين، ثم اجعلها (1 ملغ) ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقف عن تناول الريسبيريادون، ويجب أن تستمر على الفلوكسيتين كما هو.
يجب -يا أخي الكريم- أن يكون هناك التزام قاطع بهذه الأدوية، وبدون أدوية لا أعتقد أنك تستطيع أن تقاوم هذه الوساوس؛ لأن الجانب الكيميائي أو البيولوجي أو الهرموني على مستوى الدماغ أثبت تماما فيما يتعلق بالاضطراب في إفراز أو تنظيم مادة السيروتونين، هذا من ناحية.
الدواء ميزته أنه يساعدك في التطبيقات السلوكية، يجعلها سهلة جدا بالنسبة لك، وأهم تطبيق سلوكي هو التحقير لفكرة الوسواس، تحقرها تحقيرا تاما، تختار أيا من هذه الوساوس وتطبق عليه ثلاثة تمارين:
التمرين الأول هو (التحقير)، تخاطب الوسواس قائلا: "أنت وسواس حقير، أنا لن أهتم بك أبدا."
ثم تنتقل بعد ذلك إلى التمرين الثاني، والذي يسمى (صرف الانتباه)، فبدل أن تغسل ريموت التلفزيون مثلا، قل لنفسك: "أنا سوف أقوم بأخذ نفس عميق ثلاث مرات متتالية"، أو تفكر في شيء جميل، أو تتحرك من مكانك وتصلي ركعتين، وهذا يسمى صرف الانتباه.
أما التمرين الثالث فيسمى (التنفير)، والتنفير يعني أن تدخل شيئا على نفسك يكون مؤلما وغير مقبول، وتربطه بالوسواس، مثلا قم بالضرب على يدك بقوة وشدة على جسم صلب -سطح الطاولة- حتى تحس بالألم، اربط هذا الألم بالوسوسة، أو بمحتوى الوسوسة التي تعاني منها، تكرر هذا التمرين 20 مرة متتالية، وبعد ذلك تنتقل إلى موضوع آخر من وساوسك وتطبق عليه نفس التمارين الثلاثة.
الجلسة العلاجية يجب أن تكون داخل الغرفة، وتكون بمفردك في مكان هادئ، والجلسة العلاجية يجب أن تستغرق نصف ساعة يوميا، وبعد عشرة أيام سوف تلاحظ أن هذه الوساوس قد انقرضت تماما -إن شاء الله تعالى-، أو خفت بدرجة كبيرة، لكن هذا يتطلب جدية في التطبيق.
وبصفة عامة أيضا، أريدك أن تتخلص من الفراغ الذهني والزمني، وتشغل نفسك بما هو مفيد؛ لأن الوساوس تتصيد الناس من خلال الفراغ، مارس الرياضة أيضا، مارس التمارين الاسترخائية، اجتهد في عملك، اجتهد في واجباتك الدينية، وكذلك واجباتك الاجتماعية.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.