نقلت ابني إلى مدرسة أفضل فتغير وغضب وأصبح لا يكلمني!

0 0

السؤال

السلام عليكم.
بوركتم على الموقع الرائع.

أنا أم لخمسة أبناء، 4 بنات، وابن عمره 13 سنة، بذلت قصارى جهدي في تربيتهم -والحمد لله-، البنات وصلن لما كنت أصبو إليه من تربية، ودين، وعلم، وأخلاق، وكلهن ناجحات في الدراسة، وابني طفل مهذب، وهادئ، وجيد في دراسته، ولكن مشكلته أنه الذكر الوحيد بين البنات، عمره 13 سنة، وللأسف ليس لديه أقرباء في سنه، كلهم كبار، وليس له إلا صديق واحد يخرج ويلعب معه.

مشكلتي أن المدرسة المتوسطة القريبة من البيت سيئة، وفيها صحبة سيئة جدا -إلا ما رحم ربي-، والإدارة تتعامل مع التلاميذ -وخاصة الذكور منهم- بالعنف، والضرب، ومتساهلة معهم في استعمالهم الهاتف داخل الصف.

كما أن المخدرات منتشرة في محيط المدرسة، وخوفا على ابني نقلته لمدرسة خاصة بعيدة عن المنزل، ولكن لها سمعة جيدة، وتهتم بالدين، ولكن ابني رفض المكوث فيها، هو في الثالث الإعدادي، وهو العام الثالث له في هذه المدرسة، وكل عام يسبب لي المشاكل بعدم المكوث فيها، والرجوع إلى مدرسة الحي، وقد سألت الأخصائيين، وقالوا أنتم أدرى بمصلحته، ولكن رأيت أن ابني فقد شغفه الطفولي، ورفض ممارسة الرياضة، وأصبح مكتئبا، ومنذ بداية العام الدراسي -أي شهر تقريبا- يرفض الحديث معي، ولا يكلمني؛ بحجة أنني رفضت تغيير مدرسته، وهو يذهب للمسجد نادرا، ويصلي بتثاقل، ولا يراجع دروسه، ويقضي وقت فراغه مع التلفزيون والفيديوهات التافهة.

كما أنه يعاني من التبول اللاإرادي، والآن أنا حزينة وحائرة من حاله، وخاصة أنه الولد الوحيد. هو ذكي جدا، وعبقري في الدراسة، ووالده يبرر تصرفه بأنني أم كثيرة النصح والأوامر، ولم يكلمه في موضوع مقاطعته لي، وتقبل بسهولة مغادرته لرياضة كرة السلة، وعدم ذهابه للمسجد بانتظام، وعدم مراجعته للدروس، ولا يحدثه أبدا عن اهتماماته، ما عدا كرة القدم، والتي أخذت منحنى خطيرا في بلادي؛ فأصبح لا يتابعها إلا الشباب الضائع، فخفت على ولدي من كل هذا، ولا أعرف كيف أتصرف معه! هل أرجعه إلى تلك المدرسة، أم أتجاهل رغبته؟ وكيف أتعامل معه ومع والده؟ وهل هذه السلوكيات طبيعية؟ وكيف يعود إليه شغفه؟ وهل إذا أرجعته إلى مدرسة الحي لا يعتبر هذا خضوعا لرغبته؟

أرجوكم ساعدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم يوسف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك -أيتها الأم الفاضلة- على حرصك الشديد على تربية أبنائك تربية صالحة، وعلى اهتمامك بمستقبل ابنك، وسلامته النفسية والدينية، أسأل الله أن يرزقك الحكمة والصبر في التعامل مع هذه المرحلة الحساسة من حياة ابنك.

في البداية: يجب أن نتذكر أن الأبناء أمانة عندنا، وأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بحسن تربيتهم ورعايتهم، قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا" (سورة التحريم:6). كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" (رواه البخاري ومسلم).

من هذا المنطلق، فإن قرارك بنقل ابنك إلى مدرسة ذات بيئة أفضل هو قرار حكيم، ومبني على مصلحة واضحة، خاصة في ظل المخاطر التي ذكرتيها عن مدرسة الحي، ومع ذلك، فإن رفض ابنك لهذا القرار، وسلوكه الحالي يتطلب تفهما عميقا لطبيعة المرحلة العمرية التي يمر بها، ولا ننسى أن تربية الأولاد في هذا الزمان تحتاج لمهارات وحكمة، وفهم طبيعة الجيل الجديد وظروفه، والتعامل معه بما يناسب زمانه، كما أن كثرة الوعظ والعتاب قد تأتي بنتائج عكسية:

إذا كنت في كل الأمور معاتبا صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحدا أو صل أخاك فإنه مقارف ذنب مرة ومجانبه.

هذه الأبيات تذكرنا بضرورة التوازن في التعامل مع الأبناء، فلا إفراط في العتاب، ولا تفريط في التوجيه، وهذه خطوات عملية للتعامل مع الموقف:

• اجلسي معه في وقت هادئ بعيدا عن التوتر، وأخبريه أنك تتفهمين مشاعره، وأنك تريدين سماع رأيه بصدق.

• استخدمي عبارات مثل: "أنا أحبك وأريد الأفضل لك، وأريد أن أفهم ما الذي يزعجك".

• بدلا من فرض القرار عليه، حاولي أن تجعليه شريكا في اتخاذه، اسأليه: ما الذي يمكننا فعله لتحسين وضعك في المدرسة الحالية؟ أو كيف يمكننا أن نجعل الأمور أفضل بالنسبة لك؟

• أشعريه بأنه مهم، وأن رأيه له قيمة، امدحي ذكاءه وإنجازاته السابقة، وذكريه بقدراته.

• شجعيه على العودة إلى ممارسة الرياضة، أو أي نشاط يحبه؛ فالرياضة ليست فقط وسيلة لتفريغ الطاقة، بل تساعد أيضا في تحسين المزاج.

• خصصي وقتا يوميا للجلوس معه لمراجعة دروسه بطريقة غير مباشرة، كأن تقولي: ما رأيك أن نراجع معا هذا الدرس؟

• لا تجبريه على الصلاة أو الذهاب إلى المسجد، بل كوني قدوة له، اجعلي الصلاة تجربة إيجابية من خلال الدعاء معه، أو الحديث عن فضلها، ذكريه بآيات مثل: "واستعينوا بالصبر والصلاة" (سورة البقرة:45).

• تحدثي مع والده بهدوء، وأخبريه أن دعم الأب ضروري في هذه المرحلة، واقترحي عليه أن يقضي وقتا خاصا مع ابنه، كأن يخرجا معا لممارسة نشاط يحبه.

• التعامل مع التبول اللا إرادي هذا الأمر قد يكون مرتبطا بالضغط النفسي، فحاولي تقليل التوتر في المنزل، وراجعي طبيبا مختصا إذا استمر الأمر.

• إذا استمر رفضه للمدرسة الحالية، فيمكنك التفكير في حل وسط، مثل البحث عن مدرسة أخرى قريبة من المنزل، ولكن ذات بيئة أفضل، أو التحدث مع إدارة المدرسة الحالية لتحسين تجربته.

• ابنك في مرحلة المراهقة، وهي فترة حساسة تتسم بالرغبة في الاستقلالية، والشعور بالهوية؛ لذا فإن رفضه للمدرسة قد يكون تعبيرا عن رغبته في السيطرة على قراراته.

• الاكتئاب، وفقدان الشغف؛ هذه علامات تحتاج إلى اهتمام، فحاولي مراقبة حالته، وإذا استمر الاكتئاب، فلا تترددي في استشارة مختص نفسي.

• التوازن بين الحزم واللين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه" (رواه مسلم)، فكوني حازمة في الأمور المهمة، ولكن برفق ولين.

أسأل الله أن يرزقك الحكمة والصبر، وأن يهدي ابنك ويصلح حاله، وتذكري أن التربية رحلة طويلة تحتاج إلى دعاء مستمر.

"اللهم اجعل القرآن ربيع قلبه، ونور صدره، وجلاء حزنه، وذهاب همه، اللهم اهده واهد به، واجعله من عبادك الصالحين."

كوني مطمئنة، فستثمر جهودك -بإذن الله-، وما عليك إلا الأخذ بالأسباب والدعاء.

مواد ذات صلة

الاستشارات