أجد في نفسي رغبة لممارسة العادة السرية، فهل للمس علاقة بذلك؟

0 2

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنت أود أن أسأل عن الحالات الروحية، وهل يمكن أن تجعل الإنسان يكثر من فعل العادة السرية، حتى وإن لم يرد ذلك؛ لدرجة أنها تقع منه كل يوم تقريبا؟

لقد ظهرت عندي بعض الأعراض، وقال لي عدد من الرقاة المعروفين بعقيدتهم السليمة أن ما أعانيه قد يكون سحرا أو مسا عاشقا، بحسب ما يظهر من العلامات، ولم يتمكنوا من تحديد الحالة بدقة، كما أنني لا أستطيع المداومة على العلاج.

أنا –بحمد الله– أصلي في جماعة، وأقرأ سورة بعد كل صلاة، وغالبا ما أؤدي النوافل، وأحافظ على قيام الليل والأذكار، ومع ذلك لا أستطيع ترك هذه العادة، وأشعر بأن رغبة قوية تدفعني إليها دائما، إما بالتحدث مع أحد، أو بمشاهدة ما لا يرضي الله، ومع كل ذنب أقترفه أندم وأتوب، وأدعو الله كثيرا أن يعينني على تركه.

أرجو منكم أن تفتوني في أمري، وتدلوني على ما ينبغي أن أفعله، فقد تعبت من هذه الحالة.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سامر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه وسوء.

ليس من الضروري أن يكون ما تعانيه مرتبطا بالمس أو السحر، فكثير من الناس يظنون أن أي انحراف في الشهوة أو اضطراب في المزاج أو نفور من العبادة سببه حتما سحر أو مس، وهذا غير لازم شرعا ولا عقلا؛ فالنفس البشرية مركبة من رغبات وعادات وتأثرات بيئية ونفسية، وقد يكون ما تعانيه نتيجة اعتياد سلوكي، أو اندفاع نفسي، أو فراغ عاطفي، وليس أمرا غيبيا بالضرورة.

ومع ذلك، لا ننكر أن المس والسحر حق ثابت بنصوص القرآن، غير أن التمييز بين السبب الغيبي والنفسي يحتاج إلى فطنة وخبرة دقيقة، ولا يصح لكل أحد أن يجزم في ذلك، كما لا ينبغي الجزم بوجود سحر أو مس عاشق إلا بعد تشخيص شرعي مختص.

ما تقوم به من صلاة وقيام وذكر هو شيء عظيم، وإن لم تر أثره سريعا، فهو يضعف تأثير العارض يوما بعد يوم، وعدم زوال العادة بعد هذا لا يعني أن عبادتك بلا أثر، بل يدل على أن الابتلاء ما زال قائما، ويحتاج إلى منهج علمي وعملي لتجاوزه.

سأذكر لك خطوات عملية تجمع بين العلاج الشرعي والنفسي والسلوكي:

أولا: في الجانب الشرعي، داوم على الرقية الشرعية بنفسك يوميا ولو قليلا، واقرأ سورة البقرة ولو بالسماع، واقرأ آيات السحر المذكورة في سورة البقرة وسورة الأعراف، ويونس، والشعراء، واقرأ سورة الصافات، واغتسل بماء مقروء عليه إن أمكن، واحرص على التحصين اليومي بأذكار الصباح والمساء بنية الحفظ من العارض ومن الشهوة، وأكثر من الاستغفار والدعاء بالعفة؛ فالله يحب من يناجيه عند ضعفه، واجعل من دعائك: "اللهم ‌طهر ‌قلبي، ‌واغفر ذنبي، وحصن فرجي".

ثانيا: في الجانب النفسي والسلوكي، لا تترك نفسك فريسة للوحدة أو الخيال؛ فالشهوة تشتعل في الخلوة، وغير بيئتك بعد كل صلاة، واخرج أو مارس عملا أو خالط الصالحين، وإذا شعرت بالرغبة فبادر إلى الوضوء والصلاة؛ فالماء يطفئ نار الجسد، وقلل من استخدام الهاتف في أوقات الليل أو قبل النوم، ولا تحمل نفسك كراهية شديدة بعد الوقوع، بل قل: "سأعود إلى الله من جديد"، ولا تدع باب التوبة يغلق في وجهك.

ثالثا: في الجانب الإيماني والقلبي، اجعل العبودية لذة لا تكليفا؛ فإن من ذاق حلاوة القرب من الله ضعفت شهوته من تلقاء نفسها، وراقب قلبك عند كل ضعف، وقل في نفسك: "الله يراني"، واستحضر هذا المعنى دائما، واحذر من الصحبة السيئة والفراغ، فهما مصدر سوء كبير.

رابعا: اجتهد في الوصول إلى الزواج، أو اجتهد في الصيام عند العجز؛ فهما من أقوى الوسائل المعينة على كبح الشهوة، وقد قال ﷺ: من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، ‌فإنه ‌له ‌وجاء (رواه البخاري) وأضف إلى ذلك الرياضة؛ فإن في ذلك خيرا عظيما.

خامسا: اعلم أن الكثير من المصابين يعانون من فتور متكرر، وهذا طبيعي، فإذا عجزت يوما فلا تترك كل شيء، بل اقرأ ولو شيئا يسيرا، فآية واحدة تكفي، لكن المهم هو الاستمرار؛ لأن "العارض ينهزم بالثبات لا بالكثرة وحدها".

سادسا: لا تجعل ترك العادة هدفك الوحيد، بل اجعل هدفك نقاء القلب ومراقبة الله تعالى، وستجد أن العادة تزول تبعا لذلك، وكما قال بعض الصالحين: "من ‌عمر ‌باطنه بدوام المراقبة، وظاهره باتباع السنة، وغض بصره عن المحارم، وعود نفسه أكل الحلال، أصلح الله ظاهره بالعفة".

نسأل الله أن يحفظك ويعافيك، وأن يوفقك لما يحب ويرضى، والله المستعان.

مواد ذات صلة

الاستشارات