السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة في الثلاثين من العمر، ومنذ سنوات تعرفت على صديقة، وأصبحنا مقربتين، وبعد مدة بدأت أتغزل بها كثيرا، حتى دخلت في حالة قريبة من المرض، وتعلقت بها تعلقا شديدا، ووقع بيننا سحاق.
بعد ذلك تبنا إلى الله، وكانت هي السبب في تشجيعي على الصلاة، ثم تبين أنني كنت أعيش حالة نوبة هوس خفيف (Hypomania)، وهي حالة مرضية، وكانت تصرفاتي حينها من أعراض هذه الحالة.
بدأت بتناول العلاج، فتهذبت مشاعري نحوها، وكذلك هي، وأدركت أنني لن أعود لتصرفات كهذه، وأصبحت علاقتنا علاقة أخوة مهذبة.
مرت سنوات دون أن يحدث أي شيء بيننا، حتى إنني أقمت معها في الغرفة نفسها في منزل عائلتها لأسباب مالية، ولم يقع أي تجاوز، وأخلصنا في التوبة، وتجاوزنا ما حدث في الماضي.
لكن بسبب مرضي (الاضطراب ثنائي القطب - Bipolar Disorder) أميل أحيانا إلى جلد الذات، ولا أستطيع تصديق ما فعلته سابقا، وأحاول الآن التعامل مع هذا الشعور والتعافي منه.
سؤالي: هل يجب أن أبتعد عنها؟ إنها صديقة مهمة في حياتي، ونساعد بعضنا كثيرا في أمور الدنيا والدين.
علما أنني صليت صلاة الاستخارة عدة مرات، وكانت الإشارات تميل إلى البقاء على هذه الصداقة، كما أنني بحثت منذ بداية العلاقة ووجدت فتوى تفيد بأنه يمكن الاستمرار في العلاقة إذا كانت التوبة صادقة من الطرفين.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Imen حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك -أختنا الفاضلة- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال.
أختي الفاضلة: أحمد الله تعالى على أن هداك وهدى صديقتك إلى الفطرة السليمة وجادة الصواب، فهذه نعمة عظيمة، وإنما تدل على إخلاص النية، وعلى قربكما من الله عز وجل، أدعو الله تعالى لكما بالمغفرة، والقبول الحسن.
نعم، طالما أنك تعانين من الـ (باي بولار - bipolar)، أي (الاضطراب الوجداني ثنائي القطب)، والذي يأتيك بشكل هوس (Hypomania)، فنعم عليك أن تنتبهي؛ لأن الإنسان عندما يدخل في حالة الهوس أو (المينيا/Mania) فإنه قد يخرج عن فطرته، أو يخرج عن طبيعة شخصيته المعتدلة، أو يبالغ في التصرفات؛ فعليك أن تنتبهي إلى ذلك، ولكن طالما أنك مستمرة على العلاج بشكل فعال، فإن شاء الله تكون الأمور طيبة.
سؤالك الأهم هو: هل تبقين ساكنة مع هذه الصديقة أم لا؟
أنا شخصيا لا أرى مانعا من أن تبقي معها، وذلك لعدة أمور:
أولا: أنكما استقمتما على الجادة السليمة وتبتما إلى الله عز وجل، وقد مر وقت ليس بالقصير وأنتما على هذه الحالة السليمة، فهذا أولا.
ثانيا: كما ذكرت، هي صديقة قريبة منك ومهمة في حياتك، فلا مانع من أن تبقيا على تواصل، بل تسكنان معا، ولكن عليك أن تنتبهي ألا تنزلقي أو هي تنزلق مجددا؛ فالشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، فذكريها بتقوى الله عز وجل، ودعيها تذكرك بتقوى الله عز وجل؛ فهذا من صمامات الأمان التي تمنعكما من الانزلاق مجددا إلى العلاقة السابقة.
أدعو الله تعالى أن يثبتكما ويهدي قلبيكما ويعينكما، ولا تنسينا -أختي الفاضلة- من دعوة صالحة في ظهر الغيب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
___________________________________
انتهت إجابة الدكتور: مأمون مبيض، استشاري الطب النفسي.
وتليها إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد الفرجابي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
_________________________________
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على التواصل والسؤال، ونسأل الله -تبارك وتعالى-أن يهديك والصديقة لأحسن الأخلاق والأعمال؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنك وعنها سيئ الأخلاق، لا يصرف سيئها إلا هو.
لا شك أن التوبة تجب ما قبلها، وأن التائبة من الذنب كمن لا ذنب لها، والتائبة تمحو ذنوب الأمس بتوبتها ورجوعها إلى الله -تبارك وتعالى-، فاحرصي على الطاعة.
ومما ننصح به: أن تجتهدي دائما في أن يكون لك عدد من الصديقات الصالحات، ولا تكتفي بصديقة واحدة، وكلما توسعت دائرة الصداقات كان في الأمر خير؛ لأن الإنسان يستطيع أن يجد النصائح من هنا وهناك، وتستطيع الفتاة كذلك أن تجد النصائح من زميلاتها، ونسأل الله لنا ولك ولهن التوفيق والسداد.
الأمر الثاني: المعصية التي حصلت، كلما يذكرك الشيطان بها، جددي التوبة والرجوع إلى الله -تبارك وتعالى- واجتهدي دائما في أن تجعلي طاعة الله ومراقبته هي الأساس، وفي أي لحظة تشعرين بأن ثمة تفكيرا في العودة أو الرجوع إلى تلك الحالة من المخالفات؛ عليك أن تنجي بنفسك في تلك اللحظة، مهما كانت التضحيات، ومهما كانت العلاقة التي بينكما؛ لأن المهم هو أن يستقيم الإنسان على طاعة الله، وعلى ما يرضي الله تبارك وتعالى.
وبعد أن استمعت إلى توجيهات الدكتور مأمون، أرجو أن تعملي أيضا بنصحه، وتعتني بجانب المتابعة من الناحية النفسية، والناحية الصحية؛ لأن هذا أيضا قد يكون له انعكاسات، وله علاقة بالخلل الذي حدث بينك وبين الصديقة المذكورة.
وعموما، الإنسان ينبغي أن يجعل طاعته لله -تبارك وتعالى-، ومراقبته لله -تبارك وتعالى- هي المعيار، فكل صداقة في هذه الدنيا لا تبنى على تقوى من الله ورضوان، تنقلب إلى عداوة، وهي وبال على أهلها، قال ربنا العظيم: ﴿الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين﴾.
ونحن إذ نشكر لك وللصديقة التوبة والرجوع إلى الله -تبارك وتعالى-، ونهنئكم جميعا على هذا الثبات على هذه التوبة والاستقامة على أمر الله -تبارك وتعالى-؛ لا نملك إلا أن نسأل الله لكم مزيدا من الخير، ومزيدا من الانشغال بالطاعة لله تبارك وتعالى.
ومن المهم جدا أن نتخلص من أسباب المعصية وأسباب المخالفات؛ فالإنسان ينبغي أن يشغل نفسه بطاعة رب الأرض والسماوات، والمؤمنة بحاجة إلى أن تعمر قلبها بحب الله أولا ودائما، ثم بحب الرسول ﷺ، وحب ما جاء به الرسول ﷺ، وتجعل محبتها لصديقاتها ولأخواتها بمقدار طاعة هؤلاء جميعا لله تبارك وتعالى.
نسأل الله لنا ولكن التوفيق والسداد، ولا مانع من الاستمرار في العلاقة بالشروط التي أشرنا إليها، واجعلي المعيار هو التناصح بالبر والتقوى، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر؛ فالصداقة الحقيقية هي التي تقوم على النصح والتذكير بالله.
نسأل الله -تبارك وتعالى- لنا ولكن التوفيق والسداد.