أريد ترك وظيفتي لكن زيادة الراتب والامتيازات تمنعني، فما توجيهكم؟

0 3

السؤال

السلام عليكم

أنا موظفة في أحد البنوك التجارية، براتب جيد جدا، وليس لي أي صلة بالقروض، راتبي قوي مقارنة بغيري، مما يمنحني حرية مالية ومكانة، وهذا من فضل الله علي، وأعيش في مجتمع كانت فيه جميع الأمهات من حولي يعملن، باستثناء أمي، التي كانت ربة منزل.

كنت ألاحظ الفرق في المستوى المادي بيننا وبين غيرنا، وأشعر أن أمي كانت تشعر بالذنب؛ لأنها لم تساهم في تحسين حالتنا المادية، رغم أن فرص العمل كانت متاحة لها، وكان للمجتمع دور في لومها أيضا.

أنا الآن أفكر في الاستقالة بشكل جدي؛ لأنني لا أشعر بأي متعة في حياتي، أغادر بيتي وابني من الفجر، وأقضي ساعة إلى ساعة ونصف في الطريق إلى عملي، ولا أشعر أنني أقدم شيئا يمنحني شعورا بالإنجاز.

ما يخيفني من ترك الوظيفة هو نظرة الناس، وكأنني أكرر تجربة أمي، وكلامهم الذي قد يحمل اللوم، مما قد يجعلني أشعر بالذنب مثلها، وقد حاولت أن أجد وظيفة حكومية بساعات عمل أقل، وقريبة من منزلي، لكنني لم أتمكن من ذلك.

أبدأ بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بنية تفريج الهم، وألاحظ أن كلما التزمت بالصلاة والاستغفار، يقترب مني عملي أكثر، فأقول ربما أن الله لا يريدني أن أتركه، وأنه اختار لي هذه الحياة، وأنه راض عني.

ما يمنعني الآن هو الراتب العالي والاستقلالية المالية، خاصة أن كثيرين يتمنون الوصول إلى ما وصلت إليه في فترة قصيرة، بل أنني أحيانا أتمنى ألا يزيد راتبي، حتى لا تصبح الاستقالة أصعب، ساعدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رئيسة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أختي الكريمة: يسر الله أمرك، وألهمك الصواب والرشاد.

لقد لامست في رسالتك بصدق مرحلة من التعب النفسي والذهني نتيجة ضغوط العمل، وبعد المسافة، وتقصير الوقت الذي تمنينه لبيتك وطفلك، وهذا شعور طبيعي تمر به كثير من العاملات حين يجدن أنفسهن في دوامة العمل دون طمأنينة، أو رضا داخلي.

لكن قبل الدخول في تفاصيل القرار، من المهم أن نتوقف أولا عند طبيعة العمل نفسه؛ لأن وضوح الموقف الشرعي فيه يعينك كثيرا على اتخاذ القرار الصحيح بثبات.

عملك في بنك تجاري -كما هو متعارف- يعني أنه بنك يتعامل بالربا إقراضا، أو اقتراضا، أو خدمة لهذه المعاملات، وهذا النوع من العمل لا يجوز شرعا، لما فيه من الإعانة على معصية عظيمة حذر الله منها في كتابه، إذ قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله﴾ [البقرة: 278-279]، وفي الحديث الصحيح: لعن رسول الله ﷺ آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء (رواه مسلم). وهذا يشمل كل من يعمل في منظومة تمكن، أو تخدم الربا بشكل مباشر أو غير مباشر.

ومن هنا، فإدراكك لهذا الحكم ليس تهويلا، بل نور يهديك للقرار الصحيح، وقد يكون هو التفسير الحقيقي لحيرتك وضيقك رغم وفرة الراتب؛ إذ لا يطمئن قلب مؤمن إلى رزق فيه شبهة محرمة، ولعل هذا ما سيفتح لك بابا جديدا من الهداية، فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، والله تعالى وعد عباده الصادقين بالبديل الطيب، فقال سبحانه: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾ [الطلاق: 2-3].

ثم إني أوصيك ببعض الخطوات العملية التي تعينك على القرار:

- ابدئي بالتوبة الصادقة، والعزم على الخروج من هذا العمل تدريجيا.
- لا تجزعي من فكرة فقدان الراتب الكبير، فالرزق لا ينقطع بترك معصية، بل يفتح الله لك أبوابا أخرى أنقى وأبرك.
- ابحثي فورا عن بدائل عمل حلال قريبة من تخصصك المالي أو الإداري، مثل: البنوك الإسلامية، أو المؤسسات التمويلية الملتزمة بالضوابط الشرعية، شركات التمويل، أو الإدارات المالية في القطاع الأهلي، أو الحكومي، العمل المستقل في مجالات المحاسبة، أو خدمة العملاء، أو التحليل المالي.
- اجعلي انتقالك منظما لا ارتجاليا: ضعي لنفسك خطة زمنية واقعية للخروج، كأن تبدئي البحث الجاد خلال ثلاثة أشهر، وحين يتيسر البديل، قدمي استقالتك مطمئنة القلب.
- قللي من تعلقك بالراتب العالي.
- ابدئي بإعادة ترتيب نفقاتك، وتعلمي (فن التقليل الذكي) للنفقات؛ حتى لا يبقى المال حاجزا بينك وبين قرارك الصحيح.
- اهتمي بإعادة التوازن النفسي والروحي: فالعلاقة بالله تعالى هي التي تعيد ترتيب الأولويات، وأكثري من الدعاء بالاستخارة الصادقة، ومن الاستغفار، ومن قول: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، واغنني بفضلك عمن سواك.
- أعيدي تعريف معنى النجاح: النجاح الحقيقي ليس في ضخامة الراتب، بل في بركة الرزق، ورضا الله، وسعادة القلب حين تؤدين عملك وأنت مطمئنة إلى أنه حلال.

وفي الختام، أختي الكريمة: القرار يحتاج شجاعة وثقة بالله تعالى، لا تهورا، ابدئي بخطوات ثابتة نحو عمل يرضيه سبحانه، ويرضي ضميرك، وستجدين أن الله يفتح لك من الأبواب ما لم يخطر لك على بال، ومن يتوكل على الله فهو حسبه [الطلاق: 3].

وفقك الله لكل خير، وكتب لك رزقا طيبا مباركا، وسكينة في قلبك وبيتك وعملك.

مواد ذات صلة

الاستشارات