السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي أخ عمره 29 عاما، أصغر مني، هو مقاطع لي، وكلما تحدثت معه تزيد المشاكل أكثر، لذلك لا أتحدث معه في أي أمر، وقد تشاجرنا عدة مرات.
هو لا يصلي، ومدمن مخدرات وخمر، وأفكر في أخذه إلى طبيب نفسي؛ لأنه يشبه أولاد الشوارع والمشردين أو من لا مأوى لهم، وقد تكون أفعاله وأساليبه سيئة جدا، ومعروف للناس أنه سيئ، وأنا أشعر بالحرج منه ومن أفعاله وتصرفاته وأقواله.
مشكلتي أنه لا يتحرز من النجاسة، ولا يغسل عضوه بعد التبول، ودائما ما يدخل يده داخل سرواله ويلمس عضوه؛ لذلك أعتبر كل ما يلمسه نجسا، وأغسل يدي بعد استخدام الأشياء التي يستخدمها مثل ريموت التلفاز، وهاتفه، وأشياء أخرى.
يتبول في الحوش أو باحة المنزل كثيرا، وهذا يسبب لي وسواسا شديدا لانتقال النجاسة، خاصة أن أمي تنظف البيت يوميا بالمكنسة اليدوية، ويوجد أطفال في البيت يلعبون كرة القدم في الباحة، والكرة تلمس البول.
البول حتى بعد أن يجف يترك أثرا ورائحة على الأرض، وليس كالماء الذي يختفي أثره بمجرد الجفاف -كما ذكرت-، أمي كثيرا ما تكنس البيت، ويظل أثر البول واضحا من لونه بسبب تركيزه على الأرض.
أنا متأكد أن ما أراه بول؛ لأنه يحدث أكثر من مرة، ويتبول واقفا خارج الحمام، وبذلك تنتقل النجاسة إلى باقي المنزل، وهذا الأمر يرهقني جدا.
أحيانا أصب على البول الماء، لكن هذا مرهق، خاصة أنه يتبول غالبا ليلا، وأمي تكنس البيت صباحا قبل أن أصحو.
لا أستطيع التحدث مع أخي كما ذكرت، ولا مع أمي؛ لأنها تقول لي دائما: "أنت لديك وسواس وشك"، وهذا سبب لي حرجا كبيرا.
لذلك أصبحت أتغاضى وأتجاهل الوسواس كثيرا مؤخرا لتفادي الحرج.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أخي الفاضل- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان.
لا شك أن ما أنت فيه هو لون من الابتلاء، لكنه في الوقت نفسه قد يكون بابا من أبواب الكرامة الإلهية إن صبرت واحتسبت؛ فالله -سبحانه وتعالى- إذا ابتلى عبده فلحكمة، إما ليرفع درجته، أو ليطهره، أو ليجعله سببا في خير أعظم.
وعليه فليس البلاء علامة سخط، بل كثيرا ما يكون دليل عناية خاصة من الله بعبده، قال تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ۗ وبشر الصابرين} [البقرة:155]، وقد قال ﷺ: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه (رواه البخاري).
فأخوك -بما فيه من انحراف وسوء حال-؛ قد يكون مرآة تراها لتشكر الله على العافية، فقد أكرمك الله بأن جعلك محافظا على طهارتك وصلاتك، وخوفك من الذنوب، بينما غيرك غارق في المعاصي والجهل، وهذه من النعم العظيمة التي تستوجب الشكر، وقد قال من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، لم يصبه ذلك البلاء أو قال: إلا عوفي من ذلك البلاء كائنا ما كان ما عاش (رواه ابن ماجه والترمذي).
فانظر إلى حالك، تجد أن الله حفظك من الإدمان، ومن سوء الخلق، ومن الغفلة عن الصلاة، ومن طريق الهلاك، هذه نعم تستحق أن تردد عليها كل يوم: الحمد لله الذي عافاني.
وهذا الشكر ليس تعاليا على أخيك، بل اعتراف بأن الله لو لم يعصمك لكنت مثله أو أسوأ، ثم اجعل من شكرك بابا للعون، فربما أراد الله أن يستخدمك سببا لإنقاذه أو تخفيف شره، فأعن أمك في تنظيف البيت أو ضبط الأمور دون أن تجرحها، وتقرب إلى الله بخدمتها وصبرك عليها؛ فإن بر الأم في مثل هذا الظرف عبادة عظيمة.
وبالنسبة لسؤالك، فدعنا نجيبك من خلال ما يلي:
1. النجاسة لا تحكم بها إلا بيقين حسي، لا بالظن أو التخيل، قال ﷺ: إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيقول له: أحدثت، فيقول: لا حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. أي لا نحكم بالنجاسة إلا إذا رأيناها رؤية واضحة أو لمسناها رطبة.
2. الجفاف يطهر الموضع: إذا بال أخوك في فناء البيت، ثم جف البول تماما، فإن الموضع طاهر شرعا، فقد قال الفقهاء: العبرة بزوال عين النجاسة. فاطمئن:
• الأرض بعد الجفاف لا تنقل نجاسة.
• المشي عليها لا ينجس الأقدام.
• ولا تنتقل النجاسة عبر المكنسة أو الكرة أو الأشياء الجافة.
3. لا تكليف مع الوسوسة:
إذا كنت تغسل يديك بعد لمس أشياء استعملها أخوك دون يقين من نجاستها، فأنت تتبع الوسواس لا الشرع، تذكر أن الدين مبني على اليسر، والوسواس باب يفتح على التعب والشك، فاقطع الطريق عليه، وقل لنفسك: "الأصل في الأشياء الطهارة، فإذا تيقنت من أمر فاغسل يدك، أما الشك فلا عبرة به".
4. وساوس الطهارة ليست من الإيمان القوي، بل من القلق:
ما تمر به لا يعني ضعف إيمان، بل قلق مرضي مرتبط بالوسواس القهري؛ فإن تكرار الغسل، والشك في النظافة، واليقين بأن كل شيء ملوث؛ كلها أعراض اضطراب معروف في الطب النفسي، ويمكن علاجه بسهولة بالعلاج السلوكي أو الدوائي.
خطوات عملية:
• قلل الغسل تدريجيا: لا تغسل يدك إلا إذا رأيت نجاسة رطبة بعينك.
• ردد في نفسك عند الشك: "الأصل في الأشياء الطهارة، وقد اغتسلت، ولن أعيد الغسل"، وأكد على نفسك هذا.
• ابتعد عن فحص الأرض أو الروائح.
• اقرأ الرقية والأذكار قبل النوم؛ فإن الوساوس تضعف بالذكر.
اقتراحات عملية أخرى:
• تحدث مع أمك بهدوء لتأخذ أخاك إلى طبيب أو مركز علاج إدمان، دون أن تجعل الموضوع دينيا بل صحيا، وقل لها: "يا أمي، أنا خائف عليه، حالته تحتاج لطبيب أعصاب أو نفسي".
• ادع له سرا، فالهداية بيد الله.
• تجنب الاحتكاك به قدر الإمكان دون شجار.
• احفظ نفسك بالدعاء والصلاة والقرآن.
نسأل الله أن يحفظك، وأن يهدي أخاك ويشفيه، والله الموفق.