السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله الذي هداني، ولا أحصي نعمه.
أنا طالب في الصف الثالث الثانوي، وقد هداني الله، وتواصلت معكم سابقا بشأن مغادرة أهل المعاصي، والحمد لله، لكني لم أنبه إلى أن هناك بدائل للمدرسين، وهي الدروس (الأونلاين)، وهي مثل الدروس العادية، ولا تقل كفاءة عنها، بل إن هناك بعض المدرسين أفضل من أولئك.
وأنا أيضا أرتكب ذنوبا في ذهابي إلى المدرسين، لكني في بعض المواد أحتاج إليهم لأنهم يساندونني في الفهم، غير أنهم يقعون في المعاصي كما ذكرت، فهل إذا ذهبت إليهم مع وجود بدائل أكون آثما؟ لأنهم يحلفون بغير الله، ويقولون: (والنبي)، ويقعون في الاستحلاف بغير الله، فضلا عن أصوات النساء التي تحرك شهوتي.
والله لقد وصلت إلى مرحلة لا أستطيع النوم فيها إلا بعد معاناة شديدة لتذكري عذاب الله، وأخاف كثيرا، فماذا أفعل؟
أنا إن لم أركز في أصوات النساء، أو في تحرك الشهوة عند سماعهن، لا تتحرك شهوتي، لكن حين أتذكر ذلك أو أخاف منه يحدث لي ما أكره؛ فهل بسبب ذنوبهم يجب أن أتركهم؟
مع العلم أن المدرسين (الأونلاين) أيضا يقعون في بعض الذنوب، والحمد لله أنا أغض بصري قدر استطاعتي، فما الذي يجب علي فعله؟
وسؤالي: إذا اكتفيت مثلا بمادة اللغة العربية (أونلاين)، فهي كافية بحمد الله، لكنني أحتاج إلى المدرس في مادة الإنجليزية لزيادة الفهم وطرح الأسئلة، غير أن هذا المدرس أيضا يذنب، فهل يجب علي أن أتركه وأكتفي بالدروس (الأونلاين)؟ وهل آثم بحضوري عندهم مع وقوعهم في المعاصي التي يلفظونها؟
بارك الله فيكم، وأرجو أن لا تملوا من طول سؤالي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك دائما في موقعك -أخي الفاضل-، ونسأل الله أن يحفظك ويبارك فيك، ونحمد الله الذي أنار قلبك وشرح صدرك للهداية، فاثبت على هذا الطريق، ونسأل الله أن يتم لك نورك، وأن يجعلك من عباده المخلصين.
ودعنا نتناول سؤالك بتأن وبخطوات مرتبة، حتى تخرج برؤية واضحة تحفظ لك دينك ودراستك معا.
أولا: منزلة ما أنت فيه عند الله:
ما دمت تخاف من الذنب، وتحرص على البعد عن الحرام، وتغض بصرك، وتراجع نفسك، فأنت في طريق الهداية والثبات، قال ﷺ: من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن (رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح).
ومعنى ذلك أنك، بإحساسك وتأنيبك لنفسك، في مقام عال عند الله، فلا تظن أن وساوس الشهوة أو صعوبة الطريق دليل ضعف، بل هي جهاد نفس مأجور عليه.
ثانيا: إذا كان المدرس أو الطلاب أو المدرسات يقعون في معصية كالحلف بغير الله، أو سماع الغناء، أو إطلاق الكلام الباطل، ولم تشارك أنت فيها، بل أنكرتها بقلبك وتجنبتها قدر طاقتك، فليس عليك إثم في مجرد وجودك بينهم.
ثالثا: حكم الدروس الحضورية مع وجود بدائل:
الحكم هنا يبنى على المصلحة والمفسدة:
• إن كان البديل (الأونلاين) يوفر لك نفس الفهم والشرح، ولا تحتاج للحضور الفعلي، وكان البعد عن المعصية أيسر به، فحينها الأفضل والأطهر لقلبك أن تكتفي بالأونلاين.
• أما إن كنت لا تفهم إلا بالحضور المباشر، أو تحتاج إلى توجيه مباشر لا تجده عبر الإنترنت، ولا توجد بيئة خالية من المعاصي تماما، فاذهب للحضور مع ضبط نيتك، وغض بصرك، وسرعة انصرافك بعد الدرس، ولا إثم عليك ما دمت تتقي الله على قدر استطاعتك.
رابعا: سماع صوت النساء أثناء الدرس:
الحرمة ليست في الصوت ذاته، إنما في التمتع به أو تتبع نبراته وتحريك الشهوة نحوه، وما تشعر به من تحرك الشهوة عند التفكير في ذلك إنما هو نتاج التذكر والخيال، لا بسبب الصوت ذاته؛ ولذلك فإن العلاج هو:
• أن تشغل نفسك أثناء الدرس بمتابعة الكلام العلمي فقط، لا بنبرات الصوت.
• أن تغض بصرك عن صور النساء في الفيديو إن كان الدرس أونلاين.
• أن تستعيذ بالله عند شعورك بتحرك الشهوة، ولا توسع التفكير، بل غير الموقف فورا، وانتقل إلى عمل آخر، أو اكتب ملاحظاتك.
واعلم أن الله لا يؤاخذك بمجرد الخاطر، إنما الذنب في الاسترسال والتلذذ.
خامسا: ما تعانيه من تعب في النوم وخوف من عذاب الله؛ هو نوع من المجاهدة، وقد وعد الله المجاهدين في أنفسهم بالهداية، فقال: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين} [العنكبوت:69]، لكن احذر أن يتحول خوفك إلى قلق دائم أو وسوسة؛ فالله لا يريد منك أن تظل معذبا كل ليلة، بل أن تتوب ثم تطمئن إلى رحمة الله، قال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا} [الزمر:53].
نسأل الله أن يحفظك ويرعاك، والله الموفق.