السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ابنة أختي فتاة قارب عمرها على 13 عاما، وهي أكبر إخوتها، بدأت والدتها تلاحظ تغيرا في سلوكها منذ العام الماضي، كعصبية زائدة، وصوت عال، ومشاحنات مع إخوتها ومع والدتها، وفي يوم بحثت في هاتفها لتجد في سجل البحث أنها كانت تشاهد مقاطع إباحية، وعندما واجهتها هي ووالدها، أخبرتهم أنها كانت تشاهدها منذ عدة سنوات، وأن الشيطان يحركها لذلك، وتحدثا معها ووضعا قيودا على الهاتف.
منذ فترة قريبة بدأت تتحدث معهم عن رغبتها في خلع الحجاب، وتحدثت معها والدتها بأنها أصبحت مكلفة، ويجب عليها لبسه، حتى لا يقع عليها عقاب الله، وكان ردها: "سوف أستغفر الله"، وحتى الصلاة تصليها وهي مرغمة، كذلك تحرص أختي على أن تحفظها القرآن، وأن يكون لها درس ديني مع معلمة، لكن يبدو وكأنها تفعل كل ذلك بدون اقتناع، أو تجاري والديها فقط، لكن عن غير اقتناع.
مؤخرا بدأت تكلم زميلا لها في الفصل، وعندما علمت والدتها بذلك، لا تبدي أي ندم أو إحساس بارتكابها خطأ، فقط تقول: "إذا أردتم ضربي فافعلوا" رغم أنها المدللة لدى العائلة وجميع طلباتها مجابة، لكنها تقول: "أنتم تحبون أختي أكثر مني"، رغم أن هذا غير حقيقي.
لا أعلم ماذا نفعل معها، هل صحيح أن يتم منعها من الأمور الترفيهية أو تقييد مصروفها؟ هل ذلك حل؟ هل خطأ أن تكون هناك مكافأة مادية عندما تفعل شيئا جيدا؟ هل هذا أفسدها، خصوصا أنها مؤخرا أصبحت تتحدث مع والدتها أنها أموالها، وهي حرة التصرف فيها؟ كذلك ما هي كيفية التعامل مع فضولها نحو العلاقة الجنسية، وحدود العلاقة مع الجنس الآخر؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك إلى صالح القول والعمل.
لا شك أن هذه المرحلة العمرية من أحرج وأهم الفترات في حياة الإنسان، فهي مرحلة انتقال من الطفولة إلى الشباب، وتشهد تغيرات مزاجية وسلوكية متسارعة؛ تحتاج إلى وعي كبير من الوالدين والمربين، حتى تمر هذه الفترة بسلام، دون أن تخلف آثارا سلبية تصاحب الشخص بقية عمره، خصوصا في ظل واقع اليوم، المليء بالانحرافات الفكرية والنفسية والسلوكية.
أختي الفاضلة: من خلال سؤالك يتضح أن هذه الفتاة انتقلت من مرحلة الاهتمام المفرط والدلال الزائد، إلى شعور بالنقص بعد قدوم أختها، الذي استحوذت على جزء كبير من اهتمام الأسرة، وعبارة الفتاة (أنتم تحبون أختي أكثر مني) هي جزء مهم من مفتاح المشكلة والحل في الوقت نفسه، فبعد أن كانت تحظى بالاهتمام الكامل، كونها الفتاة الأولى المحبوبة والمدللة، وجدت نفسها فجأة في موقع ثانوي؛ مما ولد لديها إحساسا بالترك والإهمال؛ ولأنها لم تجد وسيلة صحية للتعبير عن هذا الشعور، والكل لا يعطيها فرصة أو يستمع لها؛ بدأت تبحث عن الاهتمام بأسلوب سلبي، عبر تصرفات عدوانية أو متمردة، أو اللجوء إلى الخروج عن المألوف، فنجحت فعلا في لفت انتباهكم، لكنها فعلت ذلك بطريقة خاطئة.
لذا فإن حل هذه المشكلة يحتاج إلى جهد ووعي، وتعاون أسري، وصبر وتدرج، حتى لا تتفاقم المشكلة، أو يحدث رد فعل عكسي، ويمكن التعامل معها عبر خطوات عملية متدرجة، دون استعجال النتائج كالتالي:
الخطوة الأولى: الفهم النفسي للحالة.
1. مرحلة التحول: ابنة أختك تمر الآن بمرحلة المراهقة المبكرة، وهي ليست مرحلة فساد، كما يظن البعض، بل مرحلة تحول وتغير داخلي كبير.
2. انعكاس داخلي: تصرفاتها ليست بالضرورة مقصودة، بل هي انعكاس لرغبات وعواطف لا تعرف كيف تعبر عنها، غالبا ما يكون العناد والعصبية والصراخ تعبيرا عن رغبتها في أن تسمع وتحترم آراؤها.
3. فضول فطري: أما مشاهدتها للمحتوى المحرم، فليست بالضرورة انحرافا متعمدا، بل فضولا فطريا ورغبة في الاكتشاف والهروب من واقع، تشعر فيه بنقص الاهتمام والتقدير.
4. إثبات الذات: كذلك، رغبتها في خلع الحجاب قد تكون محاولة لإثبات الذات، عبر فرض رأيها وإرادتها؛ لأنها تلاحظ أن هذا السلوك يثير قلقكم، فيجلب لها اهتماما مضاعفا، وعلاقتها بزميلها ليست بالضرورة علاقة انحراف، بل بحث عن اهتمام مفقود.
لذلك -أختي الفاضلة- سلوكها الحالي وسيلة لجذب الانتباه، لا انحرافا مقصودا، لكنه إذا لم يعالج بوعي، فقد يتطور إلى مشكلات أعمق.
الخطوة الثانية: تجنب الأخطاء الشائعة في التعامل، فكثير من الأسر تقع في خطأين متناقضين:
• التشدد المفرط: من منع وضرب وتوبيخ دائم، وهذا يؤدي إلى التمرد والكذب والخداع.
• التساهل المفرط: من تدليل زائد، وإعطاء بلا حدود، وهذا ينتج غرورا وضعفا في إدراك القيم.
الأسلوب الصحيح هو التوازن التربوي بالحكمة والرفق، كما قال النبي ﷺ: ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.
الخطوة الثالثة: التعامل العملي مع هذه الحالة، هذه الفتاة تحتاج إلى مجموعة من الأمور حتى يتم معالجة سلوكياتها السلبية، وهي كالتالي:
أولا: إعادة بناء العلاقة:
قبل إصلاح السلوك السلبي، أصلحوا العلاقة بينكم وبينها، يجب أن تشعر الفتاة أن والدتها صديقة راشدة محبة لها قريبة من قلبها، ولتحقيق ذلك:
• خصصوا لها وقتا يوميا للحوار بلا أوامر، أو نقد، أو تلميح للأخطاء التي وقعت فيها.
• تحدثوا عن أحلامها واهتماماتها، امدحوها أمام إخوتها.
• لا تذكروا سلبياتها أمام الآخرين أبدا، الفتاة إذا شعرت بالقبول والأمان، انفتحت على الإصلاح واستجابت لتوجيهات من تحب وتطمئن له.
ثانيا: التعامل مع الحجاب:
• لا تجبروها عليه بالقوة؛ فالقهر يورث كراهية أي فعل.
• عرفوها بالله أولا، ثم بدينه وأوامره.
• أوضحوا لها جمال الحجاب، وقدموا لها نماذج نسائية راقية ومحبوبة في التدين.
• اجعلوها تخالط فتيات محجبات، لتشعر أن الحجاب ليس عائقا لحياتها الطبيعية.
ثالثا: ضبط علاقتها بالجنس الآخر:
• لا تواجهوها بعنف أو اتهام، بل تحدثوا بطريقة عامة غير مباشرة أمامها أو في وجودها، واذكروا قصصا حقيقية عن نتائج العلاقات المحرمة، وما تسببه من ندم وحسرة.
• من المهم جدا أن تجعلوها ترى الوجه القبيح لهذه العلاقات، الذي يخفيه الإعلام، أو مواقع التواصل الاجتماعي، تحت بريق اللذة الزائفة، أو الترفيه.
• بعد ذلك، انتقلوا تدريجيا إلى بيان الحكم الشرعي برفق وتدرج.
رابعا: التعامل مع الفضول الجنسي:
• في هذا العمر، الفضول أمر طبيعي ولا يصح تجاهله، ولكن الصحيح توجيهها بشكل صحيح، قبل أن تجد من يشبع هذا الفضول بطريقة منحرفة.
• على الأم أن تتحدث معها بصراحة، وفي جو من الأمان دون توبيخ أو خجل.
• علميها معنى الطهارة والحياء الإيماني، وحدثيها عن نتائج العفاف والطهارة في الإسلام، ولماذا شرع الله لنا هذه التشريعات، التي تحمي الأعراض، وتحمي المرأة من أي عبث.
• أشغلوها بأنشطة إيجابية، كالأعمال التطوعية أو الرياضة، أو حفظ القرآن، أو تنمية الهوايات.
خامسا: المكافأة والانضباط (إجابة لسؤالك):
• هل صحيح أن يتم منعها من الأمور الترفيهية، أو تقييد مصروفها؟ هل ذلك حل؟
لا تمنعوها من الترفيه كعقوبة عامة، اجعلوا العقوبة مرتبطة بالفعل الخاطئ فقط.
• هل من الخطأ أن تكون هناك مكافأة مادية، عندما تفعل شيئا جيدا؟
المكافأة ليست دائما مادية، بل قد تكون ثقة أو مدحا أو مسؤولية.
• كلفوها بمهام تشعرها بأهميتها، وأن لها مكانة في المنزل، وأن رأيها يسمعه الجميع ويهتمون به، واحتفلوا بإنجازاتها مهما كانت بسيطة.
سادسا: تغذية الجانب الإيماني:
• لا تفرضوا عليها الدروس أو الحفظ بالقوة، بل اجعلوا القدوة والسلوك هما الدافع.
• أحيطوها بنماذج طيبة من الفتيات الملتزمات ذوات الخلق الرفيع؛ فالتأثير بالقدوة أقوى من الإلزام.
سابعا: القدوة والصحبة:
• راقبوا صداقاتها دون تجسس مباشر.
• إن وجدت صديقات سيئات، ابدؤوا بتغيير البيئة تدريجيا، عبر تكليفها بمهام أو أعمال، تدفعها للابتعاد عن تلك البيئة الفاسدة، وفي نفس الوقت لا بد من بيان الجانب السلبي لرفيقات السوء، بأسلوب قصصي غير مباشر.
• كونوا أنتم خير قدوة لها في كل سلوكياتكم وأقوالكم وأفعالكم.
ثامنا: الجانب الطبي والنفسي:
• إذا استمر التوتر والعصبية والرفض، فاستشارة طبيبة نفسية خطوة حكيمة، فربما هناك خلل هرموني، أو اضطراب اكتئابي مرتبط بالمراهقة، وهنا يكون التدخل النفسي مفيدا بشكل مبكر.
أخيرا: أختي الفاضلة، هذه الفتاة لا تحتاج إلى قيود أشد، بل إلى احتواء أعمق، تحتاج من يسمعها قبل أن يحاكمها، ومن يعرفها بجمال الإيمان قبل أن يخوفها من النار، أشعروها أن لها مكانة ودورا في الأسرة، وأن حبكم لها يكبر كلما نضجت واتزنت، فكلما شعرت بالأمان الداخلي معكم، عادت إلى فطرتها النقية، ولا تنسوا الدعاء لها، فقد قال النبي ﷺ: ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر.
نسأل الله أن يصلحها، وييسر أمركم.