كلما حفظت شيئًا من القرآن نسيته رغم المراجعة، فما الحل؟

0 0

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة عمري 19 سنة، ولدي مشكلة في حفظ القرآن منذ سنوات؛ حيث بدأت الحفظ منذ أن كنت في السادسة من العمر، ثم انقطعت لفترة، وأكملت مسار الحفظ في العاشرة من عمري، لكني لاحظت أنه في بداية مراهقتي -تقريبا-، أصبحت كلما أحفظ مقدارا وأعود إليه لأراجعه بعد أيام، أجد نفسي قد نسيته بالكامل تقريبا، لكنني أراجعه في ذلك الحين، وعندما أعود إليه بعد ذلك أجد أن الأمر يتكرر بالنسيان، وهكذا استمر الأمر لسنوات، حتى إن حفظي أصبح ذو وتيرة بطيئة.

إلى أن وصلت قبل سنتين إلى الحزب 20، لكن المشكلة كأنني لم أحفظ شيئا تقريبا؛ فأغلب السور نسيتها، وكأنني حفظتها سطحيا، لذا أنا حاليا متوقفة، ولا أعلم حقا سبب نسياني للقرآن، ماذا أفعل؟ وهل هناك سبب قد يحول بيني وبين ترسيخ القرآن في ذاكرتي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله أن يبارك فيك، وفي همتك لحفظ كتابه الكريم، وأن يجعل القرآن شفيعا لك يوم القيامة.

مشكلتك ليست غريبة؛ بل هي أمر يمر به الكثير من الحفاظ، وخاصة في مراحل معينة من حياتهم، وسأحاول أن أقدم لك إجابة شاملة تعينك -بإذن الله-.

أولا: القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى، وهو أعظم نعمة يمكن أن تمنح للإنسان، قال الله تعالى: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" (سورة القمر: 17)، هذه الآية تؤكد أن الله يسر القرآن للحفظ والتدبر، ولكن هذا التيسير يحتاج إلى جهد ومثابرة.

ثانيا: نسيان القرآن قد يكون ابتلاء من الله لاختبار صدق نيتك، وإصرارك على حفظه، قال النبي ﷺ: "تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها" (رواه البخاري ومسلم)، النسيان أمر طبيعي، لكنه يتطلب تعاهدا مستمرا، ومراجعة دائمة.

ثالثا: تأملي في نيتك: هل حفظك للقرآن هو خالص لوجه الله، أم أن هناك عوامل أخرى قد تؤثر على نيتك؟ قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "العلم نور، ونور الله لا يهدى لعاص"، لذا، راجعي قلبك، وتوبي إلى الله من أي ذنب قد يكون سببا في ضعف الحفظ.

ثالثا: خطوات عملية لتحسين الحفظ:

• أكثري من الاستغفار والدعاء بأن يرزقك الله الحفظ، قال الله تعالى: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" (سورة غافر: 60).
• خصصي وقتا ثابتا يوميا للحفظ والمراجعة، وأفضل الأوقات هي بعد صلاة الفجر؛ حيث يكون الذهن صافيا.
• ابتعدي عن الملهيات، مثل: الهاتف، ووسائل التواصل الاجتماعي أثناء الحفظ.

• اعتمدي على التكرار المكثف؛ كرري الآية الواحدة عشرات المرات حتى تثبت في ذهنك، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "من أراد أن يحفظ القرآن فليكثر من تلاوته، فإن التكرار يورث الحفظ".
• خصصي يوما في الأسبوع لمراجعة ما حفظت.
• حاولي فهم معاني الآيات التي تحفظينها؛ فالفهم يساعد على ترسيخ الحفظ.

• استمعي إلى القراء المفضلين لديك، وركزي على السور التي تحفظينها.
• لا تضغطي على نفسك بحفظ كميات كبيرة دفعة واحدة، وابدئي بآيات قليلة يوميا.
• انضمي إلى حلقة تحفيظ، أو اجتمعي مع صديقات يشجعنك على الحفظ.
• احرصي على تناول غذاء صحي متوازن، واحصلي على قسط كاف من النوم.

• لا تنسي أن تطلبي العون من الله في كل خطوة، قولي: "اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا".
• لا تضغطي على نفسك أو تشعري بالإحباط، النسيان أمر طبيعي، والمهم هو الاستمرار.
• تذكري أن كل آية تحفظينها هي خطوة نحو هدفك، قال النبي ﷺ: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه." (رواه البخاري).

• لا تجعلي الحفظ عبئا نفسيا، بل اجعليه عبادة ممتعة تتقربين بها إلى الله.
• إذا شعرت أن مشكلتك تتجاوز قدرتك على التعامل معها، فلا تترددي في استشارة معلمة أو مرشدة متخصصة.
• أكثري من هذا الدعاء: "اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي".

أختي العزيزة: حفظ القرآن رحلة طويلة تحتاج إلى صبر ومثابرة، لا تيأسي من رحمة الله، واعملي على تحسين علاقتك بالقرآن يوما بعد يوم.

أسأل الله أن يرزقك الحفظ المتقن، وأن يجعل القرآن شفيعا لك يوم القيامة، "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" (سورة الطلاق: 3).

هذا، وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات