السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالب في الجامعة، ولدي مشكلة أراها نفسية؛ إذ أشعر بشغف كبير تجاه العمل في مجالات صناعة الألعاب، أو الأنمي، أو الأفلام، أو المسلسلات، أو الأغاني، بل وربما تجاهها جميعا.
كما أنني أملك شغفا شديدا بمشاهدتها أيضا، وفي الوقت نفسه تراودني رغبة قوية في ترك كل ذلك، والتقرب إلى الله عز وجل.
كلما اشتد الصراع داخلي، ازداد شعوري بالغثيان والتعب والإرهاق، وتفاقمت معاناتي النفسية؛ لأنني لم أحقق شيئا يذكر في حياتي، وأرى في تلك المجالات فرصا لإنجازات قد أحققها.
ولكن عندما أحاول الابتعاد عنها، وأفكر في ترك تلك الأحلام، أرى بعض الناس يمارسون الترفيه بعد تنقيته من الموسيقى والمشاهد غير اللائقة والمخالفات العقدية، غير أن ذلك أيضا يثير في نفسي الغثيان والاضطراب، إذ أرى آخرين يستمتعون بما تركته، بينما أؤمن أن الترفيه لا يمكن تنقيته تماما، وسيظل فاسدا في جوهره، وأن ما يترك كله لا يؤخذ جزءه، وللأسف أجد نفسي أعود إلى هذه الدائرة مرارا، ولا أخرج منها أبدا.
لا أعلم حقا هل أنا مخطئ أو مصاب بالجنون؛ لأني أريد الابتعاد عن الترفيه كليا؛ تجنبا لطمع نفسي التي ترغب في ممارسة كل أنواع الترفيه بلا قيود، وتجنبا للفتن والشبهات؟ أم أن أولئك الذين يستمتعون بصناعة الترفيه، أو بمشاهدته دون شوائب هم العقلاء؟
أنا حقا لا أعلم ماذا أفعل في حياتي، وأرجو منكم المساعدة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك -أخي الفاضل- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال المهم.
أخي الفاضل: ومن قال إن الترفيه محرم؟! بالعكس -أخي الفاضل- أنا أدعوك إلى التعمق في هذا المجال، والذي هو صناعة الألعاب والأنمي والأفلام؛ فهذا المجال قصرنا فيه كثيرا نحن المسلمون؛ ولذلك نجد أبناءنا وشبابنا يلجؤون إلى صناعة غير المسلمين، بما فيها من فساد، وما فيها من رسائل ضارة فاسدة، وعليه علينا أن ندخل هذا المجال لننقل الرسائل الإيمانية والسلوكية، التي نريدها للناس عن طريق هذه المنصات.
أخي الفاضل: ليس كل الناس يقرؤون الكتب سواء الدينية أو غيرها، أو يستمعون إلى المحاضرات الدينية، ولكنهم يلجؤون إلى ما يعرف بالمجال الترفيهي من الأنمي وأفلام، ومسلسلات؛ فاحرص -أخي الفاضل- على أن تتعمق في هذا أولا، ثم يكون فيها هناك رسائل إيجابية موجهة تصلح الإنسان والأسرة والمجتمع، متجنبا ما هو حرام.
نعم يمكن أن يكون هناك ترفيه حلال، والنبي ﷺ يقول: ((والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، لكن يا حنظلة ساعة وساعة)) ثلاث مرات، رواه مسلم. وخاصة -أخي الفاضل- أنك تعاني من صعوبة ترك هذا الموضوع، فأنا لا أدعوك إلى تركه، وإنما الاستمرار فيه، ولكن مع التوجه الصحيح السليم.
ويمكن -أخي الفاضل- أن تتواصل مع غيرك من الشباب المسلمين الذين هم في مثل هذه الصناعة، والذين هم مثلك حريصون على ديانتهم، وعلى قربهم من الله تعالى.
ليس هناك ما يمنع من أن تكون قريبا من الله تعالى، ولكن تمتهن هذه الصناعة التي علينا أن نتعمق فيها، لتساعدنا في الدعوة إلى الله (عز وجل) وهداية -كما قلت- الإنسان والأسرة والمجتمع.
أدعو الله تعالى أن يشرح صدرك، ويفتح على يديك أبوابا للصلاح والهدى.
__________________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ مأمون مبيض، استشاري الطب النفسي.
وتليها إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد المحمدي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
__________________________________________
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يسدد خطاك.
أولا: خشية النفس دليل على نقاء القلب:
قرأنا رسالتك ونحن نتفهم أصل هذا الصراع، فأنت لا تصارع (الترفيه) فحسب، بل تصارع التعلق بما يلهي عن الله مقابل السعي إلى ما يرضي الله، ومشكلتك ليست أنك تحب ما ذكرت، بل أنك تخاف أن يفسدك، وهذه الخشية دليل على وعي ديني نقي.
ثانيا: بين الشغف والعبادة:
الأفلام والمسلسلات في جوهرها وسيلة، لا غاية، يمكن أن تكون وسيلة للهو والعبث والفساد والضلال، بل وسيلة إلى الكفر، كما يمكن أن تكون وسيلة للتعبير عن الحق والخير وإصلاح المجتمع، والنية الصالحة وحسن العمل هما ما يرفع العمل أو يضعه.
وقد سئل أحد السلف عن الأشعار، فقال: "الطيب طيب، والخبيث خبيث"، فكذلك ما مر ذكره، فما كان منها قائما على الفضيلة، وهدفه الخير والجمال الصادق، فلا حرج فيه، بل قد يكون بابا من أبواب الدعوة أو الإلهام أو التذكير.
ثالثا: الشعور بالذنب المستمر.
ما يزيد ألمك هو أنك لا تثبت على حال: إن ابتعدت شعرت بالحرمان، وإن اقتربت شعرت بالذنب، والحق أنك متى ما قررت الابتعاد؛ فيجب عليك أن تجد وسيلة أخرى للترفيه، كالرياضة، والقراءة الحرة، في الأدب والشعر إن كان من هوايتك، أو أي عمل آخر لا يفسد قلبك، حتى لا تشعر بالحرمان.
رابعا: التوفيق بين الإيمان والإبداع:
كما يمكنك أن تحول شغفك إلى رسالة هادفة: وذلك بأن تصنع أنت بنفسك عملا راقيا لمتابعي هذه الأفلام، يذكر الناس بدينهم، ويبصرهم بتاريخهم، ويردهم إلى الحق من غير أن تكون فيه محرمات، وبهذا تكون صوتا إصلاحيا داخل هذه المنظومة التي غلب عليها الفساد.
فإن لم تستطع وشعرت بأن قلبك يتأرجح بين حق وباطل، أو بين تدين ولهو، فأوجد بديلا وانج بقلبك؛ فالعمر قصير، وإصلاح قلبك هو الغاية، واحرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، و"اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".
نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، والله الموفق.