أشعر بالعقوق لانفعالي وخلافاتي مع والديّ، فما توجيهكم لي؟

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني منذ مدة من صعوبة التفاهم مع والدي، وأشعر بالغضب منهما والاستياء، ثم الاستياء من نفسي بعد ذلك، وتأنيب الضمير أيضا، فأنا الابنة الوحيدة لهما، وعلاقتي بهما كانت قوية ومتماسكة إلى حد بعيد، لكنها ساءت في الآونة الأخيرة.

كنت أعاني في صغري من عدم احترامهما لي، خاصة والدي، في وقت ممارسة العلاقة الحميمية بينهما، حيث كنت أرى ذلك أمام ناظري، مما جعل نظرتي إليه سلبية، غفر الله لي وله.

وحتى الآن، لا يوجد احترام في لباسه أمامي، فقد يرتدي ملابس شفافة تظهر بعض عورته أو ما شابه، وقد حاولت التحدث معه ومع أمي بهذا الشأن، لكن دون جدوى.

ازدادت العلاقة توترا بعد أن تزوجت وأنجبت طفلي البالغ من العمر سنتين، فوالداي يخافان عليه كثيرا ويدللانه، وكلما حاولت نهيه عن شيء أو الصراخ عليه، لا يقبلان، ويتحول الجدال معهما إلى صراخ وفقدان السيطرة في كلامي.

أبي بطبعه قليل الكلام ولا يرد علي، بل يفعل ما يريد حتى لو لم يعجبني، أما أمي فتصرخ في وجهي وتنعتني بألفاظ سيئة مثل: "أيتها العاصية"، "أيتها البهيمة"، "لا تحترميننا"، "تريدين أن نغيب عن حياتك"، وقد يصل الأمر أحيانا إلى الدعاء علي.

حاولت كثيرا إيجاد حل، لكنني أفشل في كل مرة، وأعود إلى الصراخ والجدال من جديد.

كما يجدر بي الإشارة إلى أنه عندما يكون زوجي في العمل، أقضي معظم وقتي في بيت أهلي، أحيانا شهرا أو أكثر، وخلال هذه المدة لا أحتاج إلى شيء -والحمد لله-، فوالدي يوفر كل شيء سواء طلبته أم لم أطلبه، وهذا الأمر ليس جديدا، بل هو منذ كنت صغيرة.

كلما أردت الذهاب إلى المسجد أو حضور الحلقات، أو الابتعاد عن الغناء في الأعراس والطبول، تنعتني أمي بالمنافقة، وتقول إن الأساس هو طاعة الوالدين وليس الظهور أمام الناس، مما أدى إلى فقدان ثقتي بنفسي وأنني على صواب، وأصبحت أخاف دوما من الرياء والنفاق في كل تعاملاتي.

أنا بطبيعتي عصبية وسريعة الغضب والانفعال، لكن سرعان ما أندم وأشعر بتأنيب الضمير، ثم أعود وأرضى، وحاولت التخلص من غضبي، لكنه يلاحقني دائما في جميع علاقاتي، حتى مع زوجي.

الكلام الذي ذكرته سابقا -والله- ليس للتقليل من شأن والدي أو سبهما أو شتمهما، بل هو نابع عن حسرة وألم أعيشه يوميا، مما سبب لي الاكتئاب والشعور بالنقص، وأشعر أنني ابنة عاقة، ولا أصلح حتى لإنشاء أسرة، أرجو منكم ردكم السريع.

وشكرا جزيلا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور الأقصى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الفاضلة- في موقعك، ونسأل الله أن يبارك فيك، ويحفظك، ويقدر لك الخير.

دعينا نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: شكر النعمة على وجود والديك: قبل أن نتحدث عن جراحك وآلامك، يجب أن نحمد الله على وجود هذه النعمة العظيمة؛ والداك ما زالا على قيد الحياة، يحيطانك بعنايتهما، ويقيمان إلى جوارك، ويرعيان طفلك الصغير بحب وحنان، فهذا فضل عظيم قد حرم منه كثير من الخلق، كم من إنسان اليوم يفتقد أمه أو أبيه، ويتمنى لو عاد به الزمان لحظة واحدة ليقبل أيديهما أو يسمع صوتهما! إن وجودهما بقربك -مهما وقع من أخطاء- نعمة عظيمة تستحق الشكر لله، فاشكريه على بقائهما لك، وأن جعلهما بابا مفتوحا للرحمة والرضوان.

وأما ما ذكرته عن مواقف غير لائقة في صغرك فهي تجاوز تربوي بلا شك، لكنها لا تعني أنك تكرهين والديك أو أنك عاقة، بل يعني أنك تحبينهما، لكنك لم تجدي الوسيلة الآمنة للتعامل مع ما يؤذيك منهما.

ثانيا: وضعك الحالي بعد الزواج والإنجاب: وجودك الدائم في بيت أهلك، رغم أنك متزوجة، جعل الأمور ملتبسة، فهما ما زالا يرونك ابنتهما الصغيرة المدللة، وأنت ترين نفسك أما وزوجة مسؤولة، فتتصادم الرؤيتان في كل موقف، فخوفهما على حفيدهما طبيعي، وحبهما له طبيعي أيضا، كما أن حرصك على طفلك طبيعي، لكن الصدام يجب تجاوزه بالحكمة: لذلك اجلسي مع والدتك أو اكتبي لها رسالة، مقسمة إلى ثلاثة أقسام:

- القسم الأول: التعبير عن الحب العميق لهما والامتنان لما قدماه لك.

- القسم الثاني: ما تودين أن ينشأ عليه طفلك، عبر السؤال عنه، مثل: "أريد أن ينشأ الطفل على حفظ القرآن، فماذا أفعل؟" أو "على عفة اللسان، فماذا أفعل؟"، وبهذه الطريقة توصلين ما تريدين، وتشركينهما في الإعانة.

- القسم الثالث: تحديد الحدود العملية والخطوات التي ترغبين تطبيقها للحفاظ على استقلاليتك ورعاية طفلك، مثل: أوقات الزيارة، وقواعد الزيارة واللباس في المنزل، وأسلوب التعامل عند وجود خلاف، وطرق التواصل المرغوبة (كتابة، أو اتصال مختصر).

كما يجب أن تعلمي أن الغضب هنا ليس دليل عصيان، بل شعور بالظلم الداخلي، لكنه مع ذلك يجب أن ينضبط بالحوار معهما، وهذا ما يعرف بفن إدارة الغضب.

ثالثا: نصائح عملية لإدارة الغضب
1. داومي على الوضوء عند الغضب، كما أوصى النبي ﷺ.
2. قولي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فور شعورك بالانفعال.
3. لا تواجهي والديك في لحظة الغضب، بل انسحبي حتى تهدئي.
4. اجعلي لك وردا ثابتا من القرآن، وتعاهدي قراءته، خاصة سورة النور والفرقان، فهما يصفيان النفس ويزكيان الخلق.
5. مارسي الكتابة اليومية: اكتبي ما تشعرين به دون رقابة، فهذا يفرغ الغضب تدريجيا.
6. خذي وقتا خاصا في غرفتك بعيدا عن والديك، ليس قطيعة، بل استراحة للعلاقة.
7. لا تحاولي إصلاح كل شيء دفعة واحدة؛ ابدئي بخطوات صغيرة: تقليل الجدال، تغيير نبرة الصوت، الصمت عند الغضب.

رابعا: التعامل مع الأم خصوصا:
أمك، رغم حدة كلامها أو الدعاء عليك، قد تكون هي الأخرى جريحة ومكبوتة، ولا تعني ما تقول، فحين تنعتك بالمنافقة، فهي غالبا تشعر بالخوف من تغيرك الديني، فتستفزك لتعيدك كما كنت، فلا تجادليها في كل مرة، بل اكتفي بالسكوت والابتسامة أحيانا، وقولي لها قولا كريما، كما قال الله تعالى: {وقل لهما قولا كريما}، والقول الكريم ليس فقط اللين، بل أيضا الإعراض عن الجدال غير المجدي.

خامسا: خطوات عملية الآن:
احرصي على أن تكون هناك مسافة هادئة بينك وبين والديك، مع الحفاظ على التواصل، فلا تكون قطيعة، وإنما تهدئة للعلاقة، واستعيني بشخص ثالث حكيم وموثوق، كخالة أو داعية أو قريبة تحبها أمك وتحترم رأيها، لتسهيل الحوار وإيجاد حل متوازن، وركزي على ضبط انفعالاتك وغضبك، وتعاملي مع المواقف بصبر وحكمة، وأكثري من الاستغفار، واطمئني إلى أن الله يعلم نيتك، فلا تعذبي نفسك بالذنب، فهدفك هو البر والإحسان حتى لو أخطأت في الأسلوب أحيانا.

نسأل الله أن يحفظك ويرعاك، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات