السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب أعزب، أقيم بمفردي في دولة أجنبية، وأعاني من ذنوب الخلوات، ولدي رفيق يقيم وحده أيضا بمدينة مجاورة، وأرغب في الذهاب للإقامة معه؛ لكي أجتنب خلوتي بنفسي، وعندما أقيم معه يتحسن حالي، وألتزم، ولكن هل يعتبر هذا نفاقا؟ مع أن سبب ذهابي إليه هو أنني أريد أن أتجنب الخلوة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حذيفة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل، كما نسأله سبحانه أن يعينك على قصد الخير، ويهديك إلى صلاح نفسك ظاهرا وباطنا.
بداية: وجود الخوف من النفاق في قلبك دليل على خير في نفسك؛ وإشارة إلى رغبتك الصادقة في إصلاح ما بينك وبين الله تعالى، وهذا الشعور نابع من النفس اللوامة التي تدفع صاحبها إلى التوبة والسعي إلى الصلاح.
لذلك نقدم لك هذه النصائح التي نسأل الله أن يجعل فيها عونا لك على ترك ذنوب الخلوات:
أولا: المداومة على التوبة والاستغفار، وأن تحرص على ألا تفتر أبدا عن التوبة والرجوع إلى الله، قال تعالى: ﴿واستغفر الله ۖ إن الله كان غفورا رحيما﴾، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يداوم على الاستغفار في جميع أحواله، فقد قال : "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة".
ثانيا: تعلم العلم، واجتهد في معرفة مزالق الشيطان، ففي طلب العلم تتعرف إلى مداخل الشيطان ومزالقه، حتى لا يلبس عليك الحق بالباطل؛ فـالجهل من أعظم أسباب الوقوع في المعصية، ومن المهم أن تتعلم ما هو النفاق، وحقيقته، وأنواعه، ومواضع وقوعه.
واعلم -حفظك الله- أن النفاق في حقيقته هو إظهار شيء وإبطان خلافه، وهو نوعان:
- نفاق اعتقادي: كإظهار الإيمان وإخفاء الكفر.
- نفاق عملي: كما ورد في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر) رواه البخاري ومسلم.
ثالثا: تجنب كل ما يذكرك بالمعصية، أو يرغبك فيها، ومن أهم أسباب الذنوب عموما، وذنوب الخلوات خصوصا هو إطلاق البصر في الحرام؛ فهو الباب الذي يدخل منه الشيطان إلى قلبك، ويستدرجك إلى ذنوب الخلوات.
ابتعد عن كل الوسائل التي تعين على النظرة المحرمة؛ كوسائل التواصل الاجتماعي، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات، ودخول أماكن الفجور ونحوها؛ فكل ذلك من الأسباب التي تعين على الإقلاع عن الذنوب، وتطهر القلب منها.
رابعا: أشغل وقتك بالمفيد والنافع، ولا تمنح نفسك الفرصة للتفكير في الشهوات، وبادر إلى حفظ القرآن الكريم، أو طلب العلم، أو ممارسة الرياضة، أو ممارسة أي هواية مفيدة تنمي عقلك وروحك؛ فانشغال النفس بالنافع يصرفها عن التفكير في الذنوب، ويجعلها أقوى في مواجهة دوافع الخلوة والفراغ.
خامسا: الإكثار من الأعمال الصالحة، والنوافل، وذكر الله تعالى؛ فإن الأعمال الصالحة تزاحم المعاصي، وتقوي القلب على مقاومة الشهوات، قال تعالى: ﴿وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ۚ إن الحسنات يذهبن السيئات ۚ ذٰلك ذكرىٰ للذاكرين﴾.
أخي الكريم، ما تفعله -بارك الله فيك- من تركك الخلوة بنفسك، وإقامتك عند صديقك ليس من النفاق في شيء، بل هو من السعي المشروع لتجنب أسباب المعصية، وهو اجتهاد محمود شرعا؛ فقد أمرنا الله تعالى أن نأخذ بالأسباب التي تبعدنا عن الحرام، ومواطن الفتنة.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) متفق عليه.
فمن اقترب من أسباب المعصية لم يأمن الوقوع فيها؛ ولذلك حثنا الشرع على الابتعاد عن مقدمات الذنب، ووسائله، كما أرشدنا إلى الانشغال بما يعين على الطاعة والخير.
أخيرا: أكثر من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يحفظك من الشهوات، ويصرف عنك وساوس الشيطان، ونزغات النفس الأمارة بالسوء، فهو سبحانه القائل: ﴿أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض ۗ أإلٰه مع الله ۚ قليلا ما تذكرون﴾.
وفقك الله لكل خير، ويسر أمرك، وأعانك على نفسك.